للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يناقض الدين الكاثوليكي أو حقوق الديوان. ويقوم الديوان في الوقت نفسه بإجراء التحريات السريّة المحلية عن المبلغ ضدّه، ثم تعرض نتائج التحقيق التمهيدي على (الأحبار المقرِّرين) ليقرِّروا ما إذا كانت الوقائع والأقوال المنسوبة إلى المبلَّغ ضده تجعله مرتكباً لجريمة الكفر أو تلقي عليه فقط شبهة ارتكابها، وقرارهم يحدّد الطريقة التي تتبع في سير القضية. ويقسم المقررون يمين الكتمان أيضاً، وكان معظم أولئك المقررين من القُسس الجهلاء المتعصِّبين. ومن ثم فقد كانت أخلاقهم وآراؤهم، بل ذمّتهم وشرفهم مثاراً للريب، وكان رأيهم الإدانة دائماً إلاّ في أحوال نادرة.

وعلى أثر صدور هذا التقرير، يُصدر النائب أمره بالقبض على المبلَّغ ضدّه وزجّه إلى سجن الديوان السري. وكانت سجون الديوان المخصصة لاعتقال المتهمين بالكفر أو الزيغ، وهي المعروفة بالسجون السرية، غاية في الشناعة والسوء، تتصل مباشرة بغرف التحقيق والعذاب، عميقة رطبة مظلمة، تغصّ بالحشرات والجرذان، ويُصفَّد المتهمون بالأغلال (١). ويقول لورنتي مؤرخ ديوان التحقيق الإسباني: إن أفظع ما في أمر هذه السجون هو أن مَن يزج إليها، يسقط في الحال في نظر الرأي العام، وتلحقه وصمة لا تلحقه من أي سجن آخر مدني أو ديني، وفيها يسقط في غمار حزن لا يوصف وعزلة عميقة دائمة، ولا يعرف إلى أي مدى وصلت قضيته، ولا ينعم بتعزية مدافع عنه، غير أن لورنتي ينفي تصفيد المتهمين بالأغلال الثقيلة في أرجلهم وأيديهم وأعناقهم، ويقول: إن هذا الإجراء لم يكن يُتّبع إلاّ في أحوال نادرة (٢).

ويقول الدكتور لي: "كان القبض الذي يجريه ديوان التحقيق في ذاته عقوبة خطيرة، ذلك أن أملاك السّجين كلها تُصادَر وتُصفَّى على الفور، وتقطع


(١) Dr. Lea: History of the Inquisition of Spain, V. ١. Chap.١V.
(٢) Don. S. A. Liorente: Historia Critica de la Inquisicion de Espana (١٨١٥-١٨١٧) ، وهو مؤلف نقدي ضخم، ويمتاز بكون مؤلفه إسبانيّ، وهو حبر خدم ديوان التحقيق أعواماً طويلة، وكان في آخر حياته يشغل فيه السكرتير العام.

<<  <  ج: ص:  >  >>