للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"يصل إلى الغرباء إن شاء الله تعالى" (١).

ومن ثم فقد لبث الموريسكيون، شغلاً شاغلاً للكنيسة وللسياسة الإسبانية، فهم عنصر بغيض في المجتمع الإسباني وهم خطر على الدولة وعلى الوطن، وهم بالرغم من ردّتهم ما زالوا أعداء للدين في سريرتهم. وكان يذكي هذا البغض والتحامل ضد الموريسكيين كل تذمر من جانبهم. فلما دفعهم اليأس إلى الثورة في مفاوز البشرّات، ولما آنست السياسة الإسبانية أن هذه البقية الممزّقة من الأمة الأندلسية القديمة ما زالت تجيش برمق من الحياة والكرامة، رأت أن تضاعف إجراءات القمع والمطاردة، ضد هذا الشعب المهيض الأعزل، حتى لا ينبض بالحياة مرة أخرى. وكانت ثورة البشرات نذير فورة جديدة من هجرة الموريسكيين إلى ما وراء البحر، فجازت منهم إلى إفريقية جموع عظيمة، ولكن الكثرة الغالبة منهم بقيت في الوطن القديم، هدفاً للاضطهاد المنظم، والقمع الذريع المدني والديني، إلى جانب الأوامر الملكية بمنع الهجرة، وحظر التصرف بالأملاك وحمل السلاح وغيرها من القوانين المقيِّدة للحقوق والحريات، كان ديوان التحقيق من جانبه يشدِّد الوطأة على الموريسكيين، ويرقب كل حركاتهم وسكناتهم، ويغمرهم بشكوكه وريبه، ويتخذ من أقل الأمور والمصادفات ذرائع لاتهامهم بالكفر والزيغ، ومعاقبتهم بأشد العقوبات وأبلغها. وقد نقل إلينا الدون لورنتي مؤرخ ديوان التحقيق الإسباني، وثيقة من أغرب الوثائق القضائية، تضمنت طائفة من القواعد والأصول التي رأى الديوان المقدس أن يُؤخذ بها العرب


(١) نهاية الأندلس (٣٢٥ - ٣٢٧) وقد عثر مؤلف الكتاب على هذه الوثيقة خلال بحوثه في مكتبة الفاتيكان الرسولية برومة، وهي تقع ضمن مجموعة خطية من المخطوطات البورجوانية ( Borgiani) ، وقد وصف هذا المخطوط في فهرست مكتبة الفاتيكان (فهرس دللافيدا) بأنّه: "المقدمة القرطبية". وفي صفحة عنوانه بأنّه: "كتاب نزهة المستمعين". وتشغل هذه الوثيقة في المخطوط المشار إليه أربع صفحات (١٣٦ - ١٣٩)، ولهذه الوثيقة ترجمة قشتالية، أنظر:
P.Longas: La Vida Religiosa de las Moriscos (P. ٣٠٥-٣٠٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>