للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حاسمة، ولم يستطع متابعة القتال لنقص الأهبة والمؤن، وكان بينه وبين زميله منديخار خصومة ومنافسة، كانتا سبباً في اضطراب الخطط المشتركة. واتُّهِم منديخار بالعطف على الموريسكيين، فاستُدعِي إلى مدريد، وأُقِيل من القيادة، واتخذت مدريد خطوتها الجديدة الحاسمة في هذا الصراع الذي لا رحمة فيه ولا هوادة.

وبينما كانت هذه الحوادث والمعارك الدموية تضطرم في هضاب الأندلس وسهولها، وتحمل إليها أعلام الخراب والموت، إذ وقع في المعسكر الموريسكي حادث خطر، هو مصرع محمد بن أمية. وكان مصرعه نتيجة المؤامرة والخيانة، وكانت عوامل الخلاف والحسد، تحيط هذا العرش بسياج من الأهواء الخطرة، وكان محمد بن أمية يثير بين مواطنيه بظرفه ورقيق شمائله كثيراً من العطف، ولكنه كان يثير بصرامته وبطشه، الحقد في نفوس نفر من ضباطه. وتقص علينا الرواية القشتالية سيرة مقتله فتقول: إنه كان ثمة ضابط من هؤلاء يدعى ديجو الجوازيل (الوزير) له عشيقة حسناء تسمى: زهرة، فانتزعها منه محمد قسراً، فحقد عليه وسعى لإهلاكه بمعاونة خليلته، فزوّر على لسانه خطاباً إلى القائد العام (ابن عبو) يحرِّضه على التخلّص من المرتزقة الترك، وكان ثمة منهم فرقة في المعسكر الموريسكي، فعلم الترك بأمر الخطاب، واقتحموا المعسكر إلى مقر ابن أمية وقتلوه، بالرغم من احتجاجه وتوكيده براءته، واستقبل الجند الحادث بالسكون. وفي الحال اختار الزعماء ملكاً جديداً هو ابن عبو، واسمه الموريسكي: ديجو لوبيث، وهو ابن عم الملك القتيل، فتسمى: بمولاي عبد الله محمد، وأُعلن ملكاً على الأندلس بنفس الاحتفال المؤثر الذي وصفناه. وكان مولاي عبد الله أكثر فطنة وروية وتدبّراً، فحمل الجميع على احترامه، وشُغل مدى حين بتنظيم الجيش، واستقدم السلاح والذخيرة من ثغور المغرب، واستطاع أن يجمع حوله جيشاً مدرّباً قِوامه زهاء عشرة آلاف، بين مجاهد ومرتزق ومغامر.

وفي أواخر (تشرين الأول - أكتوبر ١٥٦٩ م) سار مولاي عبد الله بجيشه

<<  <  ج: ص:  >  >>