تخشاهم بالرغم من ضعفهم وخضوعهم، بعد أن أخفقت بوسائلها الهمجية البغيضة في كسب محبتهم وولائهم. وكان ديوان التحقيق من جهة أخرى، ومن ورائه الأحبار والكنيسة، يعتبرهم بالرغم من تنصرهم، أبداً وصمة في نقاء النصرانية، وتتصور الإسلام دائماً يجري كالدم في عروقهم.
وقد تضاربت آراء الساسة والأحبار الإسبان في شأن الخطوة الحاسمة التي يجب اتخاذها، للقضاء على خطر الموريسكيين، ورأى بعض أكابر الأحبار أن خطر الموريسكيين لا يزول إلاّ بالقضاء على الموريسكيين أنفسهم. وكان مما اقترحه المطران ربيرا ( RIVERA) أن يُقضَى عليهم بالرق، وأن يؤخذ منهم كل عام بضعة آلاف للعمل في السفن ومناجم الهند، حتى يتم إفناؤهم بهذه الطريقة؛ وذهب بعضهم الآخر إلى وجوب قتل الموريسكيين دفعة واحدة أو قتل البالغين منهم، واسترقاق الباقين وبيعهم عبيداً، وكان مما اقترحه بعض وزراء فيليب الثاني، أن يُجمَع الموريسكيون، ويُحمَلوا على السفن ثم يُغرَقوا في عرض البحر (١). واستمرت السياسة الإسبانية حيناً من الزمن تتلمس المخرج وسط هذه الحلول الهمجية، حتى تُوفي فيليب الثاني (سنة ١٥٩٨ م) وخلفه ولده فيليب الثالث وكان هذا الملك الفتى، ضعيف الرأي والإرادة، يتأثر كأبيه بنفوذ الأحبار، ويخضع لنفوذ وزيره وصفيّه الدوق دى ليرما. وكان الدوق من أشد أنصار القضاء على الموريسكيين، وقد أشار بها منذ (سنة ١٥٩٩ م)، ووضع لتنفيذها مشروعاً خلاصته: أن الموريسكيين إنما هم عرب، ويجب أن يعدم الشبان والكهول منهم، ما بين الخامسة عشرة والستين، أو أن يُسترَقوا ويُرسَلوا للعمل في السفن، وتُنزَع أملاكهم. أما الرجال والنساء الذين جاوزوا الستين، فيُنفَوا إلى المغرب، وأما الأطفال فيؤخذوا ويربوا في المعاهد الدينية، وهو مشروع أقرّه مجلس الدولة، وأخذ يعمل سراً لحشد القوى اللازمة لحصر عدد الموريسكيين في إسبانيا.