ثقتهم بولاء الحكومة، وفضلوا المقاومة حتى الموت، واحتشدوا بالأخص في وادي أجوار، حيثا اجتمع منهم زهاء خمسة عشر ألفاً، وفي مويادي كورتيس حيث اجتمع منهم تسعة آلاف، فبادرت الحكومة إلى محاصرتهم، وفتكت بالموريسكيين العزل، وقتلت منهم بضعة آلاف، ومات كثير منهم من الجوع والبرد. وأخيراً سلم من بقي منهم، وحملوا قسراً إلى ميناء السفر، وسَبَى الجند منهم كثيراً من النساء والأطفال باعوهم رقيقاً، ولم يصل منهم إلى شواطئ المغرب سوى القليل. وفي مويادي كورتيس لم يبق منهم عند الإبحار سوى ثلاثة آلاف، ولبثت فلولهم تقاوم مستميتة، وثبت الاضطراب نحو عام، حتى قضي عليها بعد جهد جهيد (١).
وصدر قرار النفي في قشتالة في (١٥ أيلول - سبتمبر سنة ١٦٠٩ م)، ولكن أجل تنفيذه حتى ينفذ أولاً في بلنسية، ولم ينفذ بالفعل إلاّ في أوخر (كانون الأول - ديسمبر)، ومنح الموريسكيون فيه شهراً للسفر، بنفس الشروط التي تضمنها قرار النفي في الأندلس، وسافر منهم شمالاً إلى حدود فرنسا نحو أربعة آلاف عائلة، وسافر إلى قرطبة نحو عشرة آلاف بحجة السفر إلى الأراضي النصرانية، وذلك لكي يحتفظوا بأولادهم الصغار، ولكن تسرب الكثير منهم إلى الثغور المغربية.
وبلغ عدد المنفيين في الثلاثة أشهر الأولى زهاء مائة وخمسين ألفاً، وسافر منهم ألوف كثيرة من الأغنياء والموسرين على نفقتهم الخاصة، وقصدت جموع كثيرة من الموريسكيين في أراغون - قدّرت بنحو خمسة وعشرين ألفاً - إلى ولاية نافاد الفرنسية، ودخل فرنسا من قشتالة نحو سبعة عشرة ألفاً، وسمح لهم هنري الرابع ملك فرنسا بالتوطن فيما وراء نهر الكارون، بشرط بقائهم على دين الكثلكة، وأن تهيأ السفن لمن أراد السفر منهم إلى شواطئ المغرب.
(١) Dr. Lea: History of the Inquisition in Spain; V. ١١١. P. ٣٩٧-٣٩٨.