استنجدوا مراراً ملوك الإسلام، كملك فاس ومصر حينئذٍ، فلم يقع من أحدهما إلاّ بعض مراسلات، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
ثم بقي العدو يحتال عليهم بالكفر غصباً، فابتدأ يزيل لهم اللباس الإسلامي، والجماعات، والحمامات، والمعاملات الإسلامية شيئاً فشيئاً، مع شدّة امتناعهم والقيام عليهم مراراً، وقتالهم إياه، إلى أن قضى الله سبحانه ما قد سبق من علمه، فبقينا بين أظهرهم، وعدو الدين يحرق بالناس من لاحت عليه إمارة الإسلام، ويعذّبه بأنوع العذاب، فكم أحرقوا؟ وكم عذّبوا؟ وكم نفوا من بلادهم، وضيعوا من مسلم؟ حتى جاء النصر والفرج من عند الله سبحانه، وحرّك القلوب للهروب، وكان ذلك في سنة ثلاث عشرة وألف، فخرج منا بعض للمغرب، وبعض للمشرق خفية، متطهراً من دين الكفار أبعدهم الله، فخرج بعض أحبابنا وإخواننا وهو الفقيه الأجل محمد أبو العباس أحمد الحنني، المعروف بعبد العزيز القرشي، ومعه أحد أخوانه، إلى مدينة بلغراد من عمالة القسطنطينية، فالتقيا بالوزير مراد باشا وزير السلطان المعظم المرحوم السلطان أحمد بن السلطان محمد آل عثمان نصرهم الله تعالى وأيدهم، فأخبراه بما حل بإخواننا بالأندلس من الشدة بفرنسا وغيرها، فكتب أمراً لصاحب فرنسا دمرها الله، بإعلام السلطان يأمره بأن يُخرج مَن كان عنده من المسلمين بالأندلس، ويوجههم إليه في سفن من عنده، مع ما يحتاجون إليه. فلما قرئ الأمر السلطاني في ديوان الفرنسيس، فسمعه مَن كان مرسلاً من قبل صاحب الجزيرة الخضراء، وهو اللعين فيليب الثالث، فأرسل لسيده يخبره بالواقع، وأن السلطان أحمد آل عثمان، أرسل أمره إلى فرنسا، وأمر صاحبها أن يخرج مَن كان عنده من الأندلس، فقبل كلامه، وأمر بإخراج المسلمين، وأذن لمن جاء من الأندلس بأن لا بأس عليهم، وأن يركبوا عنده في سواحله مراكبه، ويبلغهم إلى حيث شاءوا من بلاد المسلمين. فلما أحسّ بهذا الأمر عدوّ الله فيليب صاحب إسبانية، دخله الرعب والخوف الشديد، وأمر حينئذٍ مجمع أكابر القسيسين والرهبان والبطارقة، وطلب منهم