أحيا بهمته وجدّه تلك الأراضي التي أسلمتها كبرياء القوط الخاملة إلى الجدب، فدرّ عليها الرخاء والفيض، واحتفر لها العديد من القنوات، ذلك الشعب الذي أحاطت شجاعته الفياضة في أيام الرخاء والشدة معاً، عرش الخلفاء بسياج من البأس، والذي أقامت عبقريته بالمران والتقدم والدرس، في مدنه صرحاً خالداً من الأنوار، الذي كان ضوؤها المنبعث ينير أوروبا، ويبث فيها شغف العلم والعرفان، والذي كان روحه الشّهم يطبع كل أعماله بطابع لا نظير له من العظمة والنبل، ويسبغ عليه في نظر الخلف، لوناً غامضاً من العظمة الخارقة، ودهاناً سحرياً من البطولة، يذكرنا بعصور هومير السحرية، ويقدّم لنا فهم أنصاف الآلهة اليونان".
"ولكن شيئاً لا يدوم في هذا العالم، فإن هذا الشعب قاهر القوط، الذي كان يبدو أنه صائر خلال القرون، إلى أقصى الأجيال، قد ذهب ذهاب الأشباح، وعبثاً يسائل اليوم السائح الفريد قفار الأندلس المحزنة، التي كان يعمرها من قبل شعب غني منعَّم. ظهر العرب فجأة في إسبانيا كالقبس الذي يشق عباب الهواء بضوئه، وينشر لهبه في جنبات الأفق، ثم يفيض سريعاً في عالم العدم، ظهروا في إسبانيا، فملؤوها فجأة بنشاطهم وثمار براعتهم، وأظلها كوكب من المجد شملها من البرنية إلى صخرة طارق، ومن المحيط إلى شاطئ برشلونة، ولكن.