ابن حزم قد اصطدم بوزير غرناطة اليهودي، وقد وردت هذه الأحكام بالأخص في موضعين من رسائله:
الأول: في مستهل رسالته في الرّدّ على ابن التغريدي أو ابن نغرالة وزير غرناطة اليهودي، وإليك ما يقوله الفيلسوف في هذا الموضع:"اللَّهم إنا نشكو إليك تشاغل أهل الممالك من أهل ملتنا بدنياهم عن إقامة دينهم، وبعمارة قصور يتركونها عمّا قريب عن عمارة شريعتهم اللازمة لهم في معادهم ودار قرارهم، وبجمع أموالهم، ربما كانت سبباً في انقراض أعمالهم وعوناً لأعدائهم عليهم عن حياطة ملتهم التي بها عزّوا في عاجلتهم وبها يرجون الفوز في آجلتهم، حتى استشرف لذلك أهل القلّة والذمّة، وانطلقت ألسنة أهل الكفر والشرك بما لو حقق النظر أرباب الدنيا لاهتمّوا بذلك ضعف همّنا، لأنهم مشاركون لنا من الامتعاض للديانة الزهراء، والحميّة للملّة الغراء، ثم هم بعد ذلك متردّدون بما يؤول إليه إهمال هذه الحال من فساد سياستهم، والقدح في رئاستهم فللأسباب أسباب، وللمداخلة إلى البلاد أبواب والله أعلم بالصواب".
من الواضح أن ابن حزم يقصد من كلامه أمراء الطوائف وهو هنا يركز اهتمامه حول رمي هؤلاء الأمراء بإهمال حياطة الدّين والذّود عنه، لمناسبة ما حدث من قيام (إسماعيل بن نغرالة) اليهودي، بتأليف رسالة في الإسلام، رأى فيها ابن حزم طعناً في بعض آيات القرآن، ورأى تقصير (باديس بن حبوس) أمير غرناطة في ردع وزيره وفي الدفاع عن الدين، بيد أنه لا يتّجه إلى ذكر باديس دون غيره، وإنما يتّجه إلى مخاطبة أمراء الطوائف جميعاً واتهامهم بنفس الاتهام المرّ، فهم جميعاً في نظره سواء في التقصير في حق دينهم، وفي الاشتغال عن صونه ببناء القصور والشؤون الفانية.
مما تقدّم من شهادة ابن حزم وهو مؤرخ ثبت وفقيه وفيلسوف وأديب أن ملوك الطوائف كانوا متفرقين، بأسهم بينهم شديد يستعينون بالعدو على إخوانهم المسلمين، ويستعينون بأعداء دينهم على أهل دينهم.