[الأدلة من الكتاب الحكيم]
والنصوص الواردة في إثبات علو الله عز وجل على خلقه كثيرة جداً، حتى إن الإمام ابن القيم رحمه الله صنفها على أنواع، فذكر أكثر من عشرين أو ثلاثين نوعاً، كل نوع من هذه الأنواع يشتمل على مجموعة من الأدلة من القرآن.
وهناك بعض الصفات الثابتة لله عز وجل تدل على صفة العلو، مثل إثبات صفة الاستواء لله عز وجل، فإنها تدل على صفة العلو، والآيات الواردة فيها تدل على صفة العلو، وكذلك الأحاديث الواردة في صفة النزول تدل على إثبات صفة العلو لله سبحانه وتعالى.
وسننقل بعض هذه الأدلة ونبين وجه الاستدلال منها، من خلال ما ذكره ابن تيمية رحمه الله، فهو يقول: مثل قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:١٠]، ووجه الدلالة في قوله: ((إِلَيْهِ يَصْعَدُ))، فإنه يدل على أنه عال، والكلم الطيب يصعد إليه، وقوله: ((يَرْفَعُهُ)) أيضاً يدل على إثبات العلو، والصعود والارتفاع لا يكون إلا من أسفل إلى أعلى.
وقوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران:٥٥].
وقوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا} [الملك:١٦ - ١٧].
ووجه الدلالة في قوله: (من في السماء) في كلا الآيتين، و (في) هنا ليست للظرفية، وإنما المراد بها على، فيكون معنى الآية: أأمنتم من على السماء، وحروف الجر ينوب بعضها عن بعض، ونظير هذا قول الله عز وجل: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:٧١]، فليس المقصود لأصلبنكم داخل النخلة، وإنما المقصود: عليها.
وقوله تعالى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء:١٥٨] والرفع من الأسفل إلى الأعلى وقوله: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج:٤]، والعروج: هو الصعود من الأسفل إلى الأعلى.
وقوله: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة:٥]، فقوله: ((يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ)) يعني: من على السماء إلى الأرض، ((ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ)) يعني: يعود إليه صاعداً.
وقوله: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل:٥٠]، وهذا تصريح بالفوقية.
وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:٥٤]، وكما سبق أن الأدلة الواردة في إثبات استواء الله عز وجل على عرشه هي كلها أدلة على علو الله على خلقه، فإن العرش فوق السماوات، والله سبحانه وتعالى فوق العرش، وليس فوقه شيء سبحانه وتعالى.
وقد جاء ذلك في ستة مواضع كما هو معلوم، وكما سيأتي معنا إن شاء الله في الكلام على موضوع الاستواء مفصلة.
وقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]، ووجه الدلالة مثل وجه الدلالة الأولى، ونحن نستطيع أن نأخذ العلو من قوله: (على)، فإن قوله: ((عَلَى الْعَرْشِ))، والعرش فوق العالم، فهو سبحانه وتعالى فوق جميع المخلوقات.
ويقول الله عز وجل: {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر:٣٦ - ٣٧].
هذه الآيات وردت في قصة موسى عليه السلام، وأن فرعون يقول متهكماً ومستهزئاً: ((يَا هَامَانُ)) وهو وزيره، ((ابْنِ لِي صَرْحًا))، والصرح يبنى من الأسفل إلى الأعلى، {لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ} [غافر:٣٦ - ٣٧]، إذاً: هو يريد من هامان أن يبني له صرحاً من الأرض إلى السماء؛ لأن فرعون يعتقد أن الله عز وجل في السماء.
وهذا يدل على الفطرة الموجودة عند الإنسان، فـ فرعون مع كونه كافراً ملحداً منكراً لوجود الله عز وجل، مع هذا نطق بهذه العبارة، ومع أن سياقها هو في سياق الاستهزاء؛ إلا أنها تضمنت إثبات صفة العلو لله سبحانه وتعالى، فلا شك أن من كان فرعون أعلم بالله منه فهو أضل من حمار أهله.
والدلالة في الآية من وجوه: أولاً: اعترافه أن الإله لا بد أن يكون في السماء؛ لأن من الطبيعي أن يكون الإله في السماء، وهذا يتضمن بطلان دعواه للألوهية؛ لأنه في الأرض وليس في السماء.
الأمر الثاني: أنه صريح في أن موسى عليه السلام دعاه إلى عبادة الإله الذي في السماء؛ ولهذا قال: {ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} [غافر:٣٦ - ٣٧]، فإله موسى في السماء، فهو لم يطلب أي جهة من ال