[الأدلة على بطلان مذهب المفوضة]
الأدلة على بطلان مذهب المفوضة متنوعة، يمكن أن نشير لبعضها، ثم نذكر مراجع للرد على أهل التفويض، ويمكن الرجوع إليها والاستفادة منها، فمن الردود أن نقول: إن مذهب المفوضة مخالف لكثير من نصوص القرآن الكريم، ومن هذه النصوص: النصوص الواردة في أن القرآن أنزله الله بياناً للناس، وأنه هدىً للناس، ووصف القرآن بأنه شفاء، وبأنه روح، فقد كان المفوضة يقولون: إن الصفات ليس لها معان، فلا يمكن أن تكون هدىً، ولا يمكن أن تكون بياناً، فإن البيان هو الواضح المعنى، والألغاز والأحاجي ليس لها بيان، والله عز وجل يقول: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١٣٨]، ويقول عز وجل: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:٩].
ويقول سبحانه وتعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:١٨٥]، فقول: (بينات) جمع بينة، وهي الحجة الواضحة، التي لا يعتريها شك ولا ريب، وكذلك عقيدة المفوضة فيها رد للآيات الواردة في وجوب تدبر القرآن، فإن الله عز وجل يقول: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص:٢٩]، ويقول: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤]، ويقول: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:٨٢].
وذم الله عز وجل الذين لا يفقهون، ولا يعقلون، ولا يعلمون، يعني: لا يفقهون القرآن، ولا يعقلون آياته، ولا يفهمون ما تدل عليه.
وكذلك عقيدة المفوضة فيها إبطال لتيسير القرآن، فإن الله عز وجل يقول: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:١٧].
وهم يعتقدون أن كثيراً من معاني القرآن ليست واضحة ولا مفهومة، ولا شك أن الشيء إذا كان غير واضح ولا مفهوم لا يكون يسيراً بل يكون عسيراً.
وكذلك عقيدة المفوضة كما أن فيها إبطالاً لنصوص القرآن الكريم، ففيها أيضاً انتقاص لحكمة الله عز وجل ولرحمته، فإن من حكمة الله عز وجل ومن رحمته أن هدى الناس بهذا القرآن، ولو كان هذا القرآن فيه معان لا تفهم، وخصوصاً ما يتعلق بصفات الله عز وجل، فإنه لا شك أن في هذا قدحاً في حكمته، وقدحاً في رحمته سبحانه وتعالى.
بالإضافة إلى أن هذا القول الذي قالوه: إن نصوص الصفات ليست لها معان واضحة، مخالف لإخبار الله عز وجل أن هذا القرآن نزل بلسان عربي مبين، واللسان العربي المبين هو الواضح الذي يفهمه كل أحد.
ثم إن من الردود عليهم أنهم قطعوا مقوماً من أعظم مقومات الإيمان، وهو تدبر أسماء الله عز وجل وصفاته، فإن الإنسان عندما يتدبر أسماء الله عز وجل، ويتدبر صفاته سبحانه وتعالى، تنبت شجرة الإيمان في قلبه، وذلك عندما يعرف علم الله وحكمة الله سبحانه وتعالى، ورحمة الله عز وجل، ويدرك معانيها ويفهم حقيقتها، لكن إذا كان لا يتصور لها معنىً، ولا يفهم الفرق بين العلم والحكمة والرحمة ونحو ذلك، فلا شك أن هؤلاء حجبوا عن أنفسهم وعن الأمة باباً عظيماً من أبواب الإيمان، بل هو أصل الإيمان، وهو التدبر في أسماء الله وصفاته، ومعرفتها على وجهها الحق.
هذه بعض الأوجه التي يمكن أن نرد بها على هؤلاء، ويمكن أن يراجع كتاب الإكليل في المتشابه والتأويل، لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهي رسالة مطبوعة ضمن مجموع الفتاوى، وطبعت أيضاً ضمن مجموعة الرسائل الكبرى، وقد رد عليهم شيخ الإسلام رحمه الله في مواطن متعددة من كتبه، لكن في هذا الكتاب رده بشكل مركز، ومن الكتب التي ردت على هؤلاء في العصر الحاضر: كتاب للدكتور رضا نعسان اسمه علاقة الإثبات بالتفويض في صفات رب العالمين، وهو كتاب مطبوع، وأيضاً هناك رسالة ماجستير للأستاذ أحمد القاضي بعنوان: مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات، وهي رسالة ممتازة جمع أطراف كلام شيخ الإسلام رحمه الله فيها، ويمكن أيضاً أن يراجع المجلد الثالث من كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة للدكتور عبد الرحمن المحمود، فقد عقد فصلاً أو مبحثاً صغيراً بعنوان: هل مذهب السلف التفويض، وناقشه مناقشة لا بأس بها.