ومن الأشاعرة الذين أشاروا إلى مسألة انقسام أهل السنة حسب زعمهم إلى: مفوضة ومؤولة أبو سليمان الخطابي رحمه الله في كتابه (أعلام الحديث) في شرح صحيح البخاري وهو كتاب مطبوع.
ومنهم أيضاً: أبو بكر بن فورك في كتاب (مشكل الحديث وبيانه)، وهذا الكتاب ألفه في الرد على كتاب التوحيد لـ ابن خزيمة رحمه الله، فإنه استعرض الأحاديث التي أثبت فيها الصفات فأولها جميعاً، وذكر في بداية كتابه أن الناس على قسمين: قسم فوضوا، وقسم أولوا، وكلاهما على الحق، هكذا يقول.
ومنهم أيضاً البيهقي في كتابه الأسماء الحسنى، ومنهم أبو المعالي الجويني في الرسالة النظامية، ومنهم ابن خلدون في مقدمة تاريخه المشهور.
ومنهم مفوضة الحنابلة وهم مجموعة من الحنابلة كـ أبي يعلى القاضي رحمه الله تعالى وابن الزاغوني والكلوذاني ومنهم ابن الجوزي ومنهم مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي والسفاريني صاحب لوامع الأنوار البهية وغيرهم، فهؤلاء فهموا أن مذهب السلف هو التفويض.
والحقيقة أنه ليس هناك فرق بين مذهب المؤولة ومذهب المفوضة من جهة نفي الصفات من الجميع، فإن المفوضة والمؤولة جميعاً ينفون الصفات، ولكن اختلفوا في المعنى، فالمفوضة قالت: نفوضه لله، والمؤولة قالت: نؤوله بما نستطيع، فالجميع من نفاة الصفات.
ولهذا يرى الأشاعرة أن المفوضة والمؤولة ليس بينهما فرق، ويقولون: إن المفوضة اتبعوا طريقة السلف، والمؤولة اتبعوا طريقة الخلف.
وظهرت المقالة المشهورة التي أشار إليها ابن تيمية رحمه الله وهي:(إن مقالة السلف أسلم)، يعني: حتى لا نتورط في أن ننسب للقرآن والسنة معنى غير متأكد منه، فهي أسلم، (وأما طريقة الخلف فهي أعلم وأحكم) يعني: أدق.
ولهذا يرى هؤلاء أن السلف الصالح رضوان الله عليهم وهم الصحابة والرسول صلى الله عليه وسلم لم يتحدثوا في موضوع الصفات بما يغني ويشفي، وأن كلام المتأخرين أقوى وأدل على موضوع الصفات من كلام الصحابة رضوان الله عليهم، ويرون أن هؤلاء الصحابة والتابعين والسلف رضوان الله عليهم مثل العوام الذين يقرءون القرآن ولا يفهمون منه إلا المعاني العامة فقط، وأما الغوص في المعاني والمدلولات فإن هؤلاء لم يصلوا إليه، وإنما وصل إليه الخلف كما يقولون وكما يزعمون.
ولهذا فإن أهل السنة يسمون المفوضة: أهل التجهيل، يعني: الذين جهلوا السلف، وقالوا: إنهم جهلوا معاني النصوص، فلم يفهموها ولم يفقهوها.