[مكانة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله]
ونحن في هذا الدرس سنتحدث -بإذن الله تعالى- عن العقيدة، وعن أعظم أمر من أمور العقيدة وهو أمر الإلوهية، وما يتعلق بالله سبحانه وتعالى من أسمائه وصفاته وأفعاله، وعندما ننظر في المكتبة الإسلامية نجد أن الكتب التي في مجال الاعتقاد كثيرة، وإذا استبعدنا الكتب التي في مجال الاعتقاد على غير منهج السلف رضوان الله عليهم فإننا نجد أن الكتب التي في اعتقاد السلف رضوان الله عليهم كثيرة ومتعددة أيضاً.
ومن أبرز هذه الكتب كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فقد تميزت هذه الكتب بما تميز به شيخ الإسلام رحمه الله من ناحية القوة العلمية، والقدرات والإمكانات الضخمة التي وهبه الله سبحانه وتعالى إياها، والتي سخرها في دراسة العقيدة دراسة صحيحة؛ فقد تميز شيخ الإسلام رحمه الله عن غيره من المشتغلين بقضايا الاعتقاد بأنه درس العقيدة دراسة متأنية، ومقارنة في نفس الوقت، فإنه شرح العقيدة السلفية الصحيحة شرحاً مستفيضاً وفي نفس الوقت قارن ذلك وناقش الفرق الضالة مناقشة متأنية أيضاً، ونقد شيخ الإسلام رحمه الله تلك الفرق نقداً علمياً دقيقاً يعرفه من اطلع على كتبه.
كما تميزت كتب شيخ الإسلام رحمه الله بالقوة في عرض الحق، والجرأة في الرد على الباطل؛ فإنه رحمه الله تعالى كان قوياً في دعوته إلى الحق، وكان صريحاً في مناقشة الفرق الضالة، فهو يناقش أسماء كبيرة لها وجود في حياة المسلمين ولها محبة في حياة المسلمين كبيرة؛ بسبب بعض التأثيرات التي حصلت في بعض العصور المتقدمة على زمنه، ومع هذا لم يتهيب شيخ الإسلام رحمه الله من نقد هذه الأقوال، ومن التعرض لتقويم الكتب، وتقويم الشخصيات التي كان لها أثر كبير جداً في حياة المسلمين، فنقد زعماء الأشاعرة، وزعماء الصوفية، وزعماء الفلاسفة، وغيرهم من الفرق الضالة التي انحرفت عن الصراط المستقيم.
كما أن شيخ الإسلام رحمه الله يتميز بأنه عالم وداعية ومجاهد في نفس الوقت، فإنه لم يكن عالماً ينظر ويتكلم بالعلم في الجانب النظري فقط، بل كان عالماً وداعية إلى هذا العلم، وكان مجاهداً في نفس الوقت، وهذه الأمور الثلاثة مجتمعة كونت من مؤلفاته عالماً مؤثراً في كل من يقرأ كتبه رحمه الله تعالى؛ فهناك فرق بين العالم الذي يتحدث عن القضية من الناحية النظرية التجريدية فقط، والعالم الذي يخلط ذلك بالجهاد، ويربط ذلك بالحق، وبوجوب الرد على الباطل، وبالدعوة إلى الحق، ولهذا استطاع شيخ الإسلام رحمه الله أن يكون مدرسة فذة نادرة، كان من أعلامها ابن قيم الجوزية رحمه الله، وابن رجب الحنبلي، والمزي وغيرهم من أهل العلم الكبار الذين أثر فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تأثيراً بليغاً وكبيراً.
كما أن كتب شيخ الإسلام رحمه الله تميزت بكثرتها وتنوع المادة العلمية الموجودة فيها، فإن المادة العلمية الموجودة في كتب ابن تيمية رحمه الله متنوعة وموثقة، فهو ينقل من أصح النسخ التي يتحصل عليها، وهو رحمه الله خبير بكتب أهل الكلام، وبكتب الصوفية، وبكتب الفلاسفة، بل إنه كان رحمه الله يتقن بعض اللغات الأجنبية، فكان رحمه الله يتقن اللغة اللاتينية، وأيضاً يتقن اللغة العبرية، فمن اطلع -مثلاً- على كتابه الجواب الصحيح يدرك أن ابن تيمية رحمه الله كان مدركاً، وكان عالماً، وكان مجيداً للغة العبرية التي هي لغة الكتاب المقدس المحرف الذي رد عليه وعلى أتباعه في كتاب الجواب الصحيح.
فتنوع المادة العلمية الموجودة في كتبه رحمه الله جعلت من كتبه مادة خصبة لمن أراد القراءة والدراسة والتأمل، ومن هنا فإن دراسة أحد كتب ابن تيمية رحمه الله يفيدنا الفوائد المتعددة التي أشرنا إليها.
ونحن لسنا من أهل التعصب لشيخ الإسلام ابن تيمية، فإن ابن تيمية رحمه الله عالم من علماء أهل السنة له مكانته، وله تقديره، وله منزلته، لكن هذا لا يعني أنه لا يخطئ؛ فكل إنسان يخطئ ويصيب، والحق هو الذي ينبغي أن يعلو ولا يعلى عليه، ولا يصح لإنسان أن يستعجل ويتجرأ فينتقد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بدعوى التحرر العلمي، أو بدعوى عدم التقليد، أو بدعوى أننا لسنا متعصبين لـ ابن تيمية، ويكون في نقده مستعجلاً، وغير متأن، فالقاعدة صحيحة، لكن في بعض الأحيان يخطئ بعض الناس في التطبيق.
فإن علماً كشيخ الإسلام ابن تيمية ليس من السهل أن ينقد، وليس من السهل أن يرد عليه، ولا يعني هذا أنه لا يرد عليه، بل كل عالم يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن ينبغي عندما يرد الإنسان أن يرد بمنهج علمي منضبط دقيق متأنٍ بعيد عن الهوى، وهذه الحالة ينبغي أن تكون مع كل عالم من علماء المسلمين، ولا يصح للإنسان أن