[حاجة الإنسان إلى العقيدة الصحيحة]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، اللهم صل على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن الحاجة إلى العقيدة الصحيحة حاجة ملحة وعظيمة، وذلك أنه لا حياة للقلب ولا طمأنينة ولا راحة ولا سرور ولا سعادة إلا بصحة العقيدة، وذلك عندما يعرف ربه ومعبوده سبحانه وتعالى معرفة صحيحة بأسمائه وصفاته وأفعاله وعبادته.
وحاجة الإنسان إلى العقيدة حاجة عظيمة، فهو لا يمكن أن ينجو في الآخرة إلا بصحة العقيدة، والله عز وجل يقول: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:٥]، ويقول سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:٨٥].
كما أن حاجته النفسية إلى هذا الدين وإلى العقيدة الصحيحة حاجة ضرورية، ولهذا يقول الله عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه:١٢٤ - ١٢٦].
وكذلك حاجته الاجتماعية إلى العقيدة الصحيحة حاجة ملحة، فإن الإنسان في هذه الدنيا لا يمكن أن يجتمع، وأن يكون له أعوان وأتباع إلا عندما يكون على عقيدة، والعالم كما تعلمون اليوم تقتسمه المذاهب والأفكار، والفلسفات والمناهج والطرق المختلفة، فلا بد للإنسان أمام هذه الفرق والمذاهب والآراء والمناهج المتعددة المختلفة المتناحرة من موقف صحيح يرضي ربه، ويعطي النفس الإنسانية حاجتها وفطرتها التي فطرها الله سبحانه وتعالى عليها.
ولهذا لا بد من دراسة العقيدة، ولا بد من الاعتناء بها، وهي مهمة جداً، وحاجتها تتأكد بالنسبة للداعية إلى الله عز وجل، وحاجتها ملحة بالنسبة للمصلحين؛ لأن العقيدة هي أول ما يوصل إلى الله عز وجل، وهي أول واجب على المكلف، فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:١٩]، فبدأ بالعلم، وبدأ من المعلومات بالتوحيد فقال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:١٩]، ولهذا لما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال: (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات) إلى آخر الحديث.
وورد في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله تعالى)، وفي بعض الألفاظ: (فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله تعالى)، فالتوحيد والعبادة والإيمان كلها بمعنىً واحد، وهو العقيدة الصحيحة التي أشرنا إلى حاجة الإنسان إليها.
فهذا العالم اليوم يمتلئ بمذاهب متعددة، وأفكار مختلفة، ومناهج وفلسفات متباينة، فلابد للمسلم أمام هذه المذاهب والأفكار والمنهاج أن يكون لديه علم صحيح بالعقيدة، وأن يكون لديه فهم صحيح بها؛ حتى ينجو، وحتى ينجي من استطاع أن ينجيه من هذه الفتن التي تموج كموج البحر، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (أن هذه الأمة تفترق على ثلاث وسبعين فرقة)، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (كلها في النار إلا واحدة)، فلما بينها النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي).