[ترجمة الجعد بن درهم]
أول من أظهر نفي الصفات هو الجعد بن درهم، ولو أخذنا ترجمة الجعد بن درهم، وتتبعنا كلام العلماء عليه، لوجدنا أن هذا الرجل ليس من أهل العلم، مع أنه نشأ في أماكن العلم وانتشار الحديث وانتشار السنة وظهورها.
هذا الرجل لم يكن رجلاً عالماً مشهوراً، ولا إماماً، ولا داعية مصلحاً، وإنما هو رجل اشتغل بتتبع المتشابهات، وتأثر تأثراً كبيراً بأصحاب الأديان الأخرى، فنتج من ذلك هذه المقالة الخبيثة التي هي مقالة: خلق القرآن، ونفي صفات الله سبحانه وتعالى.
يمكن أن نأتي بترجمة الجعد بن درهم من لسان الميزان للحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، هذا الكتاب هو عبارة عن إكمال أو تذييل على كتاب ميزان الاعتدال في نقد الرجال للحافظ الذهبي رحمه الله، يقول رحمه الله في ترجمة الجعد بن درهم: الجعد بن درهم عداده في التابعين.
يعني: كان في طبقة التابعين، فلو أن هذا الرجل استغل هذه الفرصة وطلب العلم على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكبار التابعين لصار من كبار التابعين كـ سعيد بن المسيب والزهري وغيره؛ لأنه كان في زمن الدولة الأموية وهو المربي لآخر حكام الدولة الأموية الذي هو مروان بن محمد، الذي يلقب بـ مروان الحمار، وسبب تلقيبه بـ مروان الحمار أنه كان رجلاً صبوراً يتحمل، فلقب بهذا اللقب، وله لقب آخر وهو الجعدي نسبة إلى المربي له الجعد بن درهم، فيسمى مروان الحمار، ويلقب: بـ الجعدي أيضاً.
يقول: مبتدع ضال زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى، فقتل على ذلك بالعراق يوم النحر، والقصة مشهورة.
وهي قصة قتل خالد بن عبد الله القسري له، وكان خالد بن عبد الله القسري من عمال الأمويين على العراق.
وهذه القصة رواها البخاري رحمه الله في خلق أفعال العباد، ورواها غيره، وفي بعض أسانيدها مقال من ناحية الصناعة الحديثية، إلا أن القصة لشهرتها وتناقل الناس لها صارت قصة مشهورة، ولهذا عبر الحافظ بقوله: والقصة مشهورة، يعني: أنه لا يتوقف على ثبوتها بالإسناد فقط.
ومن هنا ننبه إلى قاعدة مهمة جداً: بعض الناس يظن أن ثبوت الرواية وعدم ثبوتها يتوقف على الإسناد فقط، وهذا خطأ، فإن الإسناد وسيلة من وسائل ثبوت الرواية، وهناك وسيلة أخرى وهي: أن القصة أو الحدث إذا كان مشهوراً عاماً يتناقله الناس جيلاً بعد جيل، فإن هذا يسمى الرواية المستفيضة المتناقلة، وهذه الرواية ثابتة، ومقتضاها صحيح، حتى لو كانت من ناحية الصناعة الحديثية ليست صحيحة؛ لأن كتب الرواية لأهل السنة أحرق كثير منها في زمن التتار، ودمر كثير من دور العلم، ومزقت كثير من كتب أهل العلم، وقتل كثير منهم وأحرقت مكتباتهم، وقد كانت تحمل كثيراً من الطرق والرواية، لكن هل يعني هذا أن هناك أحاديث أو أخباراً كثيرة صحيحة يحتاجها الإنسان في عبادته لم تصل إلينا؟ لا، فإن حجة الله عز وجل كافية للعباد إلى قيام الساعة، لكن المقصود هو أن الرواية في بعض الأحيان قد تروى عند أكثر من ألف عالم أو ألفين أو ثلاثة آلاف أو أقل من ذلك.
فإذا كان هناك مثلاً حرق وتدمير للكتب حسب المعروف تاريخياً، فستدمر من طرق هذه الرواية مائتان أو أكثر أو أقل مثلاً، وحينئذ تقل عدد الطرق لهذا الحديث أو ذاك، وحينئذ فالصحيح بالذات في القضايا الإخبارية والقصص المشهورة لا يصح الاعتماد فيه على مجرد الإسناد المنقول، فقد يكون هناك أسانيد أخرى منقولة تثبت هذه الرواية لكنها أحرقت، والذي يجعلنا نذكر هذا الاحتمال هو شهرة القصة وانتشارها في كتب أهل العلم، وكونهم يسوقونها في مجال الاحتجاج، ومجال أخذ العبرة والفائدة منها، مثل هذه القصة التي هي قصة خالد بن عبد الله القسري، فقد ذكر بعض طلاب العلم في كتاب له اسمه: قصص لا تثبت، ونقل أنها من حيث الإسناد فيها ضعف، وكلامه صحيح، لكن مثل هذه القصة لا يتوقف ثبوتها على نقلها بالإسناد.
وهكذا الحال في مثل شخصية عبد الله بن سبأ اليهودي الذي جاء من اليمن، والذي تكونت له طائفة تسمى: الطائفة السبئية، وأثر تأثيراً كبيراً في عقائد الشيعة، هذا الرجل عندما ترجعون إلى كتب أهل السنة المتقدمة تجدون أنهم يثبتونه، وأنهم يتكلمون عنه على أنه حقيقة تاريخية، وأن له تأثيراً، وهكذا المتقدمون من الشيعة.
فلما جاء المتأخرون أراد بعض الشيعة نفي ارتباط الشيعة باليهود، فتتبع شخصية عبد الله بن سبأ، فعندما جمع الطرق من حيث الإسناد، ومن حيث الصناعة الحديثية وجد أنها من رواية سيف بن عمر التميمي وهو مؤرخ مشهور له كثير من الكتب التاريخية، إلا أن أهل الحديث يضعفونه من جهة الرواية، وحاله أحسن من حال الو