للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[موقف المفوضة من صفات الله تعالى والنصوص الواردة في ذلك]

في الدرس الماضي تحدثنا عن المفوضة وبطلان مذهب التفويض، ومقالة: أن طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم.

وقد سبق أن أشرنا إلى أن الناس انقسموا في نصوص صفات الله سبحانه وتعالى من القرآن والسنة إلى ثلاث طوائف: الطائفة الأولى: هم أهل الحق وهم أهل السنة والجماعة الذين أجروا هذه النصوص على ظاهرها، وقالوا: إن ظاهرها مراد، وإن الله عز وجل خاطبنا بلغة بينة وواضحة، ونفوا عن معانيها مشابهة المخلوقين؛ لقول الله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] وغيرها من الآيات التي تدل على تنزيه الله سبحانه وتعالى عن مشابهة المخلوقين.

الطائفة الثانية: هم المؤولة، وهم الذين قالوا: إن نصوص صفات الله سبحانه وتعالى ليست على ظاهرها.

وقالوا: إن ظاهرها تشبيه الله عز وجل بخلقه، وإن هذه النصوص لا يمكن أن تكون على ظاهرها، وإن لها معاني مجازية أخرى يمكن أن نستخرجها، ثم بدءوا يؤولون صفات الله سبحانه وتعالى على معان أخرى غير المعاني الحقيقية التي يدل عليها ظاهر النص، وهؤلاء هم المؤولة وهم الجهمية والمعتزلة، وهم المتأخرون من الأشاعرة والماتريدية.

الطائفة الثالثة: هم المفوضة، وهم الذين قالوا: إن نصوص الصفات ليست على ظاهرها، وإن ظاهرها يدل على التشبيه، فاشتركوا مع المؤولة في هذا الأمر، وهو أن ظاهر نصوص الصفات ليست مرادة، وإنما هي تدل على التشبيه، ثم افترقوا عن المؤولة بأنهم قالوا: إن معانيها مجهولة لنا لا نعلمها، وإنما يعلمها الله سبحانه وتعالى وحده.

وأنكروا على المؤولة الذين زعموا أن لها معاني مجازية يعلمونها، وقالوا: إن لها معاني أخرى غير معناها الظاهر، لكن نحن لا نعلمها، وسموا ذلك تفويضاً.

وهذه الطائفة هي المعنية بالحديث معنا في الدرس الماضي، وفي هذا الدرس سنكمل الحديث بإذن الله تعالى عن هذه الطائفة.

وتعرضنا في الدرس الماضي للفرق بين تفويض المعنى وتفويض الكيفية، وقلنا: إن هذه الطائفة الضالة فوضت المعاني، وقالت: نحن لا نفهم لنصوص الصفات معاني محددة، ولا يفرقون بين النصوص، فعندهم أن قول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] كقوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤] وكغيرها من الآيات التي تدل على صفات الله سبحانه وتعالى، فهم لا يفرقون بين معانيها؛ لأنهم يجهلون المعاني، ولا يرون أن هناك فرقاً بين هذا المعنى وذاك.

وأما السلف الصالح رضوان الله عليهم فإنهم يقولون: المعنى مفهوم ومعروف، وهو ما تدل عليه لغة العرب، وأما كيفيات صفات الله عز وجل، فنحن لا نعلمها؛ لأن الله عز وجل علمنا هذه الصفات، ونفى عن نفسه كيفية مشابهة المخلوقات، ولم يعلمنا كيفية محددة لصفاته سبحانه وتعالى، فهي ليست من جنس صفات البشر، ولا يمكن أن يدركها الإنسان بعقله المجرد إلا بخبر الله عز وجل، والله لم يخبرنا عن ذلك.

إذاً: هناك فرق بين تفويض المعنى وتفويض الكيفية، تفويض الكيفية هو منهج السلف مع إقرار المعنى وإثباته، وأما تفويض المعنى وقولهم بأن نصوص الصفات ليس لها معان نفهمها فهذا قول باطل، وهو مذهب التفويض الباطل الذي نتحدث عنه.

وقد أشرنا في الدرس الماضي إلى مجموعة من الأعلام الذين قالوا بمذهب التفويض، ونشأة هذا المذهب، وأنه ترعرع في صفوف الكلابية في بداية الأمر، ثم ظهر بقوة على يد أبي الحسن الأشعري بعد تراجعه عن مذهب المعتزلة، ثم سار عليه مجموعة من تلاميذ أبي الحسن، ثم بعد ذلك ظهرت مقالة المؤولة وأنكروا على المفوضة، وبعضهم اعتبر أن مذهب التفويض هو مذهب السلف، وأن مذهب الخلف هو الغوص في المعاني لإدراك المعاني الغامضة التي لا تدل عليها ظواهر النصوص الشرعية.

<<  <  ج: ص:  >  >>