[أسباب خطورة مذهب التفويض]
إن مذهب التفويض مذهب خطير، وخطورة التفويض تعود إلى عدة أسباب: السبب الأول: أن مذهب التفويض تبناه أعلام مشهورون كـ أبي الحسن مثلاً وأبي سليمان الخطابي، وأيضاً مفوضة الحنابلة كـ القاضي أبي يعلى وابن الزاغوني والسفاريني وغيرهم.
وأيضاً تبناه من المتأخرين الأستاذ محمد أبو زهرة وهو باحث كبير ومشهور في الدراسات الإسلامية، تبناه في كتابه (تاريخ المذاهب الإسلامية)، وكذلك تبناه مجموعة من الباحثين المتأخرين، وبالذات بعض المشتهرين والمشتغلين بالدعوة الإسلامية مثل: الأستاذ حسن البنا في كتابه (العقائد) ونصره بعض تلاميذه ممن تعصب له وحاول أن يدافع عنه، وبعضهم أول كلامه ليجعله موافقاً لكلام السلف، وبعضهم نصره حتى مع معرفته بالمخالفة لمنهج السلف، كما فعل الدكتور يوسف القرضاوي في مجموعة المقالات التي نشرت في مجلة (المجتمع) مؤخراً.
ومن هنا فإن هذا السبب يجعل للتفويض رواجاً عند من يحب مثل هؤلاء ويقدرهم ويعظمهم، ولهم مكانة في نفسه.
السبب الثاني: هو أن مذهب التفويض مذهب سهل؛ لأن فيه تخلياً عن البحث وعن الدراسة، والنفس تحب أن يتخلى الإنسان ويقول: هذه أمور غيبية لا نعلمها فنتركها كما هي.
لكن الحقيقة التي ينبغي أن نعلمها هي أن أهل التأويل وأهل التفويض اجتمعوا في نفي الصفات، فأنت إذا سألك سائل: هل المفوضة ينفون الصفات؟ تقول: نعم، ينفون الصفات.
فإذا قال قائل: كيف تقول: إنهم ينفون الصفات، مع أنهم يفوضون معانيها؟ فقل: لم يفوضوا إلا بعد أن نفوا، ولهذا فإن مذهب التفويض مبني على مقدمتين: المقدمة الأولى: هي أن ظواهر النصوص ليست مرادة، والمعاني التي يفهمها الإنسان من ظاهر النص ليس مراداً، فلما اتفقوا هم والمؤولة على أن الظاهر ليس مراداً، خالفوا في هذا منهج السلف الذين يقولون إن الظاهر مراد، وإن الله خاطبنا بلغة العرب، ولا يمكن أن يكون ظواهر النصوص الشرعية كفراً؛ لأن التشبيه كفر، ولا يمكن أن يكون ظاهر النص الشرعي كفراً.
والمفوضة لما خالفوا منهج السلف في هذا افترقوا هم وأهل التأويل، فأهل التأويل حددوا معاني اجتهدوا فيها، والمفوضة قالوا: نفوض المعاني ولا نجتهد فيها.
وبعض الباحثين عندما يقرأ في قضايا الألوهية وفي الصفات قد لا يرتاح نفسياً خصوصاً إذا كان منطلق البحث عنده منطلقاً خاطئاً.
أعني أن بعض الناس عندما يبحث في هذا الموضوع يتجه إلى الكتب الموجودة في الساحة الإسلامية بشكل عام، فيقرأ كتب المؤولة وكتب المثبتة وكتب المفوضة، فيجد حيرة، وحينئذ إذا وجد الحيرة يجد من نفسه ميلاً إلى الإهمال والإعراض، والترك، وحينئذ يتبنى مذهب التفويض، لكن لو أنه أسس نفسه من بداية الأمر تأسيساً صحيحاً بدراسته لمعتقد السلف، وأن الله عز وجل خاطبنا بلغة عربية معلومة مفهومة، وأنه لا يمكن أبداً أن يخاطبنا الله عز وجل بألغاز أو أحاجي أو أغلوطات؛ حينئذ سيجد أن نصوص الصفات سهلة وميسورة، وأنه إذا قلنا: إن لله يداً، فهو كقولنا: لله علم، إذا قلنا: لله علم، فمعنى ذلك: أنه علم لا يشبه علم المخلوقين، فكذلك له يد لا تشبه أيدي المخلوقين.
ولماذا نثبت صفة العلم لله عز وجل وننفي عنه المشابهة، ولا نستطيع أن نثبت اليد وننفي عنها المشابهة، مع أن الحالة واحدة؟ ليس هناك فرق بين هذه وهذه.
ومن هنا فنحن ربما نطيل في الحديث عن هذا المذهب؛ لخطورته ولانتشاره عند كثير من الدارسين.
والحقيقة أن ابن تيمية رحمه الله من أكثر أهل العلم الذين ردوا على مذهب هؤلاء رداً مفصلاً، ومثله أيضاً الإمام أحمد رحمه الله من قبل، فقد رد عليهم رداً مفصلاً في كتابه (الرد على الجهمية والمعطلة) وكذلك ابن قتيبة في كتابه (مشكل القرآن) رد عليهم أيضاً رداً مفصلاً وواضحاً.