[أصول الإسلام وقواعده العظام ليست مجال نقد أو مناقشة]
وبناءً على هذا يصبح أهل السنة هم أهل الحجة، وهكذا قال عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين)، يعني: ظاهرين بالحجة، وبالبرهان، وبالدليل العقلي، والنقل، وموافقة الكتاب والسنة دائماً، وفي كل حال ومع كل فرقة من فرق الضلال، وقد يكون لهم في بعض الأحيان سيف ودولة، وقد يكونون في بعض الأحيان أفراداً مبثوثين في العالم.
وحينئذ نقول: إن أهل الحجة الصحيحة والمستقيمة هم أهل السنة والجماعة فقط ليس غيرهم، ونحن نؤمن بهذا عن علم ويقين، وهذا أمر لا يقبل الشك ولا يقبل الخلاف.
وكثير من أصحاب الحوارات الذين يتكلمون عن الحوار، والذين يتكلمون عن التعددية في الآراء وفي الأفكار يقولون: كيف تجزم بأن رأيك هو الحق؟ نقول: هذا ليس رأيي، هذا إجماع أجمع عليه المسلمون، وهذا الإجماع الذي أجمع عليه المسلمون هو مقتضى الكتاب والسنة، والكتاب والسنة هما الحق الذي ما عداه فهو الباطل كما قال الله عز وجل: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس:٣٢].
قال: ينبغي أن تقول إن هذا رأيي، ويمكن أن يكون رأي غيري صواباً.
نقول: هذا الكلام لو قلناه لكفرنا بالله عز وجل، فإذا جاءك من يناقشك في أصول الإسلام أو في قواعده الكلية، أو في مسائل الدين، أو في الرأي، والأفكار، والاجتهادات، لا يفرقون بين القضايا اليقينية الإجماعية المتفق عليها، والقضايا التي لا تقبل الجدل ولا تقبل الخلاف بأي وجه من الوجوه، وبين القضايا التي هي مجال آراء واجتهاد، فالقضايا التي هي مجال آراء واجتهاد مثل القضايا الحياتية اليومية، هذه تناقش فيها حتى تتعب، ولا يهمنا هذا، لأن الذي يهمنا هو أن أصول الإسلام وقواعده العظام ليست مجال نقد ولا مناقشة.
نحن نعتقد أن هذه الأصول من أصول الإسلام لم تأت اعتباطاً، وإنما هي مبنية بناءً عقلياً يقينياً لا يقبل النقاش، قد يتوصل إليه أحد فيكون عالماً، وقد يجهله البعض فيكون غير عالم، لكن أن نجعلها مجالاً للنقاش والحوار هذا غير صحيح، ولا يمكن أن يصح أبداً بأي وجه من الوجوه.
قال المؤلف رحمه الله: [وبالاضطرار يعلم كل عاقل أن من دل الخلق على أن الله ليس على العرش، ولا فوق السماوات ونحو ذلك بقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:٦٥]، لقد أبعد النجعة وهو إما ملغز أو مدلس لم يخاطبهم بلسان عربي مبين].
أي: إذا قلنا: إن الله مستو على عرشه في العلو، فقال لنا شخص: لا، قلنا: ما هو الدليل؟ قال: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:٦٥]، قلنا: وهل هذه الآية التي تتضمن أن الله لا سمي له، ولا كفؤ له، ولا مثيل له تدل على أنه ليس في العلو؟
الجواب
لا تدل على هذا، بل على العكس، تدل على أنه لتميزه سبحانه وتعالى، وأنه لا سمي له ولا كفؤ له فهو فوق العالم جميعاً، وأن هذه السماوات والأرض -كما قال النبي صلى الله عليه وسلم- هي عبارة عن حلقة ألقيت في فلاة بالنسبة للكرسي الذي هو موضع قدمي الرب، والكرسي كحلقة ألقيت في فلاة بالنسبة للعرش الذي استوى عليه الله سبحانه وتعالى، وحينئذ فهو فوق العالم بكل ما تدل عليه الأدلة من الكتاب والسنة، والعقل، والفطرة، بل فطرة الدواب كما ذكر ابن القيم ذلك في اجتماع الجيوش الإسلامية.
قال رحمه الله: [ولازم هذه المقالة أن يكون ترك الناس بلا رسالة خيراً لهم في أصل دينهم؛ لأن مردهم قبل الرسالة وبعدها واحد، وإنما الرسالة زادتهم عمىً وضلالاً.
يا سبحان الله! كيف لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم يوماً من الدهر، ولا أحد من سلف الأمة: هذه الآيات والأحاديث لا تعتقدوا ما دلت عليه، لكن اعتقدوا الذي تقتضيه مقاييسكم، أو اعتقدوا كذا! وكذا! فإنه الحق، وما خالف ظاهره فلا تعتقدوا ظاهره، وانظروا فيها، فما وافق قياس عقولكم فاعتقدوه، وما لا فتوقفوا فيه أو انفوه؟].