تحدثنا في الدرس الماضي عن أصل مقالة التعطيل، وبينا أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه هذا وفي غيره من كتبه عندما يناقش آراء الفرق الضالة يبين جذور هذه الفرق؛ لأن الفكرة قد تكون مأخوذة من اليهود أو النصارى أو من بعض المشركين، مثل أصحاب الفلسفة اليونانية أو الهندية أو غيرها، فهو يحرص رحمه الله تعالى كثيراً على بيان جذور هذه الأفكار والمناهج.
وهذه الطريقة طريقة علمية وممتازة، وهي تدل على عمق كبير في دراسة الأفكار والمناهج والآراء والفلسفات؛ لأن الأفكار تنتقل مع الناس ويتناقلها الناس جيلاً بعد جيل، وتنمو وتتطور كما تنمو الكائنات الحية، وقد تكون الفكرة بصورة ما في جيل من الأجيال ثم تنتقل إلى جيل آخر بصورة أخرى، وأصلها واحد.
ولهذا نلاحظ أن شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه منهاج السنة ربط ربطاً كبيراً بين مذاهب الشيعة ومذاهب اليهود، وهذه الطريقة أصلاً كانت معروفة عند السلف رضوان الله عليهم، فقد نقل ابن شاهين في كتابه اللطيف في السنة -وهو كتاب مطبوع- عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول عن أبيه عن الشعبي رضي الله عنه أثراً طويلاً في المقارنة بين الشيعة وبين اليهود في الآراء والأفكار والمقالات ونحو ذلك.
وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما تلمس أصل هذه المقالة الطارئة على المجتمع الإسلامي، فإن المجتمع الإسلامي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وفي زمن التابعين من بعدهم على طريقة واحدة، ومنهج واحد، وأسلوب واحد في التعامل مع الكتاب والسنة، وفي الآراء العقدية، خاصة ما يتعلق بالله عز وجل وربوبيته وأسمائه وصفاته وألوهيته، والإيمان بالملائكة والرسل والكتب، وما يتعلق بقضايا العقائد فقد كانوا على طريقة واضحة وبينة، ولم تكن هناك مجادلات ومناظرات وخلافات بين الجيل الأول في مسائل العقائد.