قال المؤلف رحمه الله تعالى:[فيكون الجعد أخذها عن الصابئة الفلاسفة، وكذلك أبو نصر الفارابي دخل حران وأخذ عن فلاسفة الصابئين تمام فلسفته، وأخذها الجهم أيضاً -فيما ذكره الإمام أحمد وغيره- لما ناظر السمنية -بعض فلاسفة الهند، وهم الذين يجحدون من العلوم ما سوى الحسيات- فهذه أسانيد جهم ترجع إلى اليهود والصابئين والمشركين، والفلاسفة الضالين إما من الصابئين وإما من المشركين، ثم لما عربت الكتب الرومية في حدود المائة الثانية زاد البلاء، مع ما ألقى الشيطان في قلوب الضلال ابتداء، من جنس ما ألقاه في قلوب أشباههم.
ولما كان في حدود المائة الثانية انتشرت هذه المقالة التي كان السلف يسمونها مقالة الجهمية، بسبب بشر بن غياث المريسي وطبقته، وكلام الأئمة مثل مالك وسفيان وابن المبارك وأبي يوسف والشافعي وأحمد وإسحاق والفضيل بن عياض وبشر الحافي وغيرهم، في هؤلاء كثير في ذمهم وتضليلهم].
وتعريب الكتب الرومانية كان في زمن المأمون، عندما بنى دار الحكمة وعرب الكتب اليونانية، وكان أخذها من حاكم الرومان في ذلك الزمان، وكان حاكم الرومان وملكهم -كما ذكر ذلك السيوطي في صون المنطق والكلام عن علم المنطق والكلام- في تلك الفترة قد جمع هذه الكتب واستشار قومه فيها، فقال له قومه: هذه الكتب ما قرأها أحد إلا ضل في دينه؛ لأن الرومان كانوا على عقيدة النصارى، وكان اليونان على عقيدة وثنية قبل ذلك، فجمع هذه الكتب جميعاً ثم بنى عليها داراً وأغلقها ومنع الناس من النظر فيها، فلما جاءته رسالة المأمون نظر إليها وقرأها وجمع أهل مملكته وسألهم عن ذلك فقالوا له: إن هذه الكتب ما انتشرت في أمة من الأمم إلا أفسدت عليهم دينهم، فأرسل إليهم هذه الكتب.
فلما جاءت الكتب إلى المأمون اشتغل بتعريبها، وكان كل الذين اشتغلوا بتعريبها هم من الطبقة الجديدة التي ظهرت في المجتمع الإسلامي، ولم يكونوا من أهل الحديث وليس لهم عناية بالسنة، ولا درسوا في هذا المجال، فقد كانوا ما بين نصراني مثل حنيين بن إسحاق وغيره، أو رجل ينتسب إلى الإسلام، ولم يشتغل من أهل العلم بتعريبها، وإنما أكثر من اشتغل بتعريبها هذه الطبقة، وهذا التعريب كان في نهاية المائة الثانية في نهاية سنة مائة وتسعين وما بعدها، أي: في نهاية القرن الثاني تقريباً، فعربت هذه الكتب مع وجود علماء كبار من أهل السنة الذين كتبوا الكتب الكبار الموجودة مثل صحيح البخاري ومسلم، وقد كان الترمذي في تلك الفترة موجوداً.
وكان أبو داود والنسائي وابن ماجة موجودين في أزمان متقاربة، وكان الإمام أحمد والشافعي موجودين، وكذلك الأئمة الكبار كانوا موجودين في تلك الفترة ولم يشتغل منهم أحد في هذا الموضوع أبداً، ولم يعرف أن أحداً منهم اشتغل في هذا الأمر أبداً ولو على سبيل التأييد.