للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أقسام الناس في المحكم والمتشابه]

ينقسم الناس أمام المحكم والمتشابه إلى طائفتين: الطائفة الأولى: أهل الحق الذين يريدون اتباع الحق، فهؤلاء يتبعون المحكم الواضح، وإذا وجدوا متشابهاً في الآيات فإنهم يردونه إلى المحكم.

مثاله: قول الله عز وجل: {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ} [الواقعة:٥٧] فقوله: (نحن) قد يأتي إنسان ويقول: هذه الآية تدل على تعدد الآلهة، وأن الإله ليس واحداً وإنما هو مجموعة، ولهذا عبر بلفظ (نحن) التي تدل على الجماعة.

للرد على هذا نقول: إن الله عز وجل في آيات كثيرة لا تحصى، وهي من مقررات هذا الدين الذي لاشك فيه أن الإله واحد: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [البقرة:١٦٣] فهذه الآية وغيرها تدل على أن الإله واحد فقط، وهذه هي كلمة التوحيد، وهذه هي الكلمة التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا لما دعا قومه قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:٥].

إذاً: كيف نفهم (نحن) التي تدل على الجماعة؟.

نفهمها بأن (نحن) تدل تارة على المجموعة، وتارة تدل على الواحد المعظم.

فأنت عندما تأتي إلى مثل هذه الآية التي قد يفهم منها أن الآلهة متعددة تقول: هذه الآية المتشابهة نحملها على الآية المحكمة، وهي قوله: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [البقرة:١٦٣] وغيرها من الآيات، فنفهمها على أن قوله: (نحن) يعني: الواحد المعظم وهو الله سبحانه وتعالى.

وهكذا يكون طريق أهل السنة وطريق الصالحين، أنهم في بحثهم وفي نظرهم وفي اجتهادهم وفي اشتغالهم بالعلم يعرفون المحكم ويدرسونه دراسة واضحة، وعليه من الأدلة والبراهين والحجج الشيء الكثير، فإذا وجدوا المتشابه حملوه على المحكم وردوه إليه؛ لأن من العبث أن يهمل الإنسان المحكم والواضح متعدد الأدلة، فيترك هذا المحكم ويأخذ متشابهاً من المتشابهات ويبني عليه عقيدة، أو يبني عليه أدباً أو خلقاً أو حكماً من الأحكام.

الطائفة الثانية: أهل الأهواء الذين لهم أهواء معينة في نفوسهم: وهي أنهم يتبعون ما تشابه منه، تجد أنهم في تأويلهم للصفات يقولون: أنتم إذا أثبتم أن لله يداً وأن له وجهاً وأن له قدماً وأن له رحمة ونحو ذلك فأنتم شبهتموه بخلقه، والله عز وجل يقول: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١].

نقول: لماذا تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟ لأن القائل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] هو القائل: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤] وهو القائل: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف:٥٤].

وهو القائل غيرها من النصوص التي فيها إثبات الصفات، فلماذا نضرب هذه بهذه؟ أو لماذا نلغي النصوص التي في الإثبات ونأخذ هذا النص الذي نفهم منه النفي فنجعله نفياً مطلقاً، ونترك تلك النصوص؟ هذا من العبث.

ولهذا فإن أهل الأهواء قد يستدلون في بعض الأحيان بالمتشابه، ولهذا عندما أرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عباس رضي الله عنهما إلى الخوارج قال له: إن القرآن حمال وجوه، فاستدل عليهم بالسنة.

معنى هذا أن الخوارج سيأتون إلى نصوص معينة ويستدلون بها على ما يعتقدون، وحينئذ قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لـ ابن عباس: إن القرآن حمال وجوه فاستدل عليهم بالسنة، يعني: ردهم إلى المحكم.

ولهذا فأي ضال أو مبتدع يمكن أن يستدل، فمثلاً: الخوارج الذين يكفرون مرتكب الكبيرة كالذي يغش في البيع، إذا قيل لهم: ما الدليل على التكفير؟ يقولون: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من غش فليس من) يعني: ليس من جماعتنا نحن المسلمين، وهذا دليل واضح على أنه من الكافرين إذا كان ليس من المسلمين.

انظروا كيف أن الإنسان إذا كان عنده عقيدة يمكن أن يأخذ من هنا وهنا ويحاول أن يحصل لنفسه أدلة ليسوغ مذهبه وفكره وطريقته التي يراها، لكن الطريقة الصحيحة هي أنك إذا وجدت متشابهاً ترده إلى المحكم، ولا تهمل المحكم.

فأنت إذا كنت معظماً لكلام الله ومعظماً لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، فكيف تعتني بنص واحد وتهمل عشرات النصوص الأخرى؟

<<  <  ج: ص:  >  >>