إذا جئنا إلى المناقشة لهؤلاء، نقول: إن إثبات هذه الصفات لا يلزم منه كما تقولون تعدد الآلهة، فإن هذه الصفات صفات لموصوف واحد، فالعلم والسمع والحياة كلها صفات بعضها يختلف عن بعض، لكنها لموصوف واحد، ولا يلزم من تعدد هذه الصفات تعدد الآلهة، ولا يصح أبداً إذا قلنا: إن إلهاً واحداً موصوف بكذا وبكذا وبكذا أن هذا خطأ، فإن الوحدانية لا تمانع من تعدد الصفات لغة وشرعاً.
أما لغة: فإنه يمكن أن تقول عن كتاب واحد في اللغة وتصفه بعدة صفات فتقول: لونه أحمر وهو سميك وقوي ومتعدد الأوراق ومكتوب بخط صغير وخط كبير، ومرقم الصفحات، فيمكن أن تصف هذا الكتاب بعدة صفات، مع أنك تستطيع أن تقول: هذا كتاب واحد، ولا يناقشك أحد من أهل اللغة.
ولهذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم وسمى كثيراً من الأشياء بالواحد وهي متعددة الصفات، فأنت تقول: فرس واحد، ورجل واحد، والله عز وجل يقول:{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا}[المدثر:١١] وهو يقصد الوليد بن المغيرة، قال الله عز وجل عنه:{ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا}[المدثر:١١] فسماه وحيداً، ووصفه بأنه واحد، مع أن له رأساً وله قدمين، وله يدين، وله فهماً وله عينين، وله وله وله، فليس هناك مانع في لغة العرب من وصف الشيء بكونه واحداً، ومن تسميته بالواحد مثلاً مع كونه متعدد الصفات، فهذه الصفات ليست ذوات مستقلة منفصلة عن الإله، بل هي صفات لموصوف واحد.
فنحن نقول: الله واحد وهو موصوف بالعلم، وموصوف بالحياة، وموصوف باليدين، وموصوف بالقدم، وموصوف بكل ما وصف به نفسه في الكتاب ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم في السنة، ولا مانع من هذا، ولا يلزم من هذا تعدد الآلهة.
فإذا قلنا: إنه عليم فليس معنى ذلك أن العلم إله مستقل منفصل عن الإله؛ ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً:(لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد) فسمى الثوب واحداً، مع أن الثوب له كمان، وله قدام وله خلف، ولهذا يقول أهل العلم: لا يمكن أن يوجد في لغة العرب استخدام كلمة (واحد) لشيء غير موصوف، فكل ما هو موجود في خارج العقل موصوف بالصفات، ولا يعرف العرب أبداً في لغتهم شيئاً يسمى واحداً ليس له صفات أبداً، ولهذا العرب تقول: بيت واحد، مع أن له باباً وله نوافذ، وله حوشاً وله غرفاً، وغير ذلك، هذا من الناحية اللغوية.
إذاً: هم خالفوا اللغة في مفهومهم للتوحيد، وظنوا أن التوحيد يستلزم نفي الصفات، ولهذا قالوا: بنظرية تعدد القدماء التي سبقت الإشارة إليها.