[ترجمة للفارابي من سير أعلام النبلاء]
هذه ترجمة للفارابي من سير أعلام النبلاء فيها درس عظيم جداً نبهت عليه في دروس متعددة، وهو أن هؤلاء الفلاسفة أمثال الفارابي، وابن سينا، وابن رشد، وابن الطفيل وغيرهم من الفلاسفة، لم يدرسوا العلم عند أهله من المتخصصين، وإنما درسوا على اليهود والنصارى، فتأثروا بهم، فهم يشبهون العلمانيين الآن، فهم يمثلون هذه الطبقة الملحدة التي تريد تغيير عقائد المسلمين.
كما أن العلمانيين الآن يريدون تغيير عقائد المسلمين في قضايا الحكم، وفي قضايا الأموال، وفي قضايا المرأة، وفي قضايا متعددة، كما هو معروف من صراع أصحاب الدعوة الإسلامية مع هؤلاء المجرمين الذين يريدون تضليل هذه الأمة.
هذه ترجمة فيلسوف من هؤلاء الفلاسفة ذكره الإمام الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء، يقول رحمه الله: الفارابي شيخ الفلسفة الحكيم -الحكيم ليس مدحاً له وإنما هو وصف؛ لأنهم يسمونهم الحكماء- أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان بن أزلغ التركي الفارابي المنطقي، أحد الأذكياء -كان ذكياً لكن لم يكن زكياً- له تصانيف مشهورة، من ابتغى الهدى منها ضل وحار، منها تخرج ابن سينا، نسأل الله التوفيق.
وقد أحكم أبو نصر العربية بالعراق -لأنه ليس عربياً- ولقي مكتب بن يونس صاحب المنطق.
متى بن يونس رجل نصراني كان رئيس المناطقة في زمانه، توفي في بغداد في سنة ثلاثمائة وثمانية وعشرين -يعني: في فترة مبكرة، في زمن الإمام النسائي رحمه الله، وزمن الأئمة الكبار أصحاب الكتب المعروفة.
قال: لقي متى بن يونس صاحب المنطق فأخذ عنه، وسار إلى حران عند الصابئة، فلزم بها يوحنا بن جيلان النصراني، وسار إلى مصر، وسكن دمشق.
أين هذا من أئمة أهل الحديث في زمانه؟ فقد كانت دمشق مليئة بالعلماء الكبار، علماء اللغة، وعلماء الفقه، وعلماء الحديث.
لو تنظرون لهذه الفترة التي يدرس فيها على النصارى، ويذهب إلى أماكن الصابئة والمشركين لوجدتم كبار العلماء المشهورين مثل ابن خزيمة، وابن حبان، وغيرهم من أهل العلم الكبار كانوا في تلك الفترة، وكانوا قريبين من الفارابي، لكن العلم الذي يدرسه الفارابي غير العلم الذي يدرسه هؤلاء.
فهو لا يريد علم أهل الحديث المعقدين كما يتصور، وإنما يريد علماً جديداً كان من أعظم أسباب انحراف هذه الأمة في مجال العقائد، كما يفعل أشباهه من العلمانيين في هذا العصر، فأنت تجد العلماء في كل بلد من بلاد المسلمين، لكنهم يتركونهم ويعتقدون أنهم من المتخلفين الرجعيين الذين لا يفقهون شيئاً، ثم يذهبون إلى أوروبا ويدرسون على المستشرقين، ويأتي أحدهم ويؤلف الكتب في الإسلام، ويتكلم باسم الإسلام، ويحرف أحكام الإسلام، ويظن أنه على هدى كما يفعل هذا الضال.
فقيل: إنه دخل على الملك سيف الدولة ابن حمدان وهو بزي الترك، وكان فيما يقال يعرف سبعين لساناً، أي: سبعين لغة، وكان والده من أمراء الأتراك فجلس في صدر المجلس، ولا يشترط أن يكون الضال أحمق، فهناك أذكياء كثيرون ضالون منحرفون، فالذكاء وحده ليس مدحاً ولا قدحاً، وإنما بحسب ما يستعمل فيه، فإذا استعمل في الخير صار مدحاً لصاحبه، وإذا استعمل في الشر صار ضلالاً والعياذ بالله وخطراً عليه.
وأخذ يناظر العلماء في فنون، يعني: ناظر العلماء الذين كانوا في زمانه في المنطق وفي الآداب بالذات، فعلا كلامه، وبان فضله، وأنصتوا له، ثم إذا هو أبرع من يضرب بالعود، إذ كان موسيقياً كبيراً، وكان له ألحان اخترعها، وكان من المتقنين للعود، إذاً: هذا مغن وليس بعالم.
ولهذا تجدون أنه أمثال هؤلاء الذين تكلمون في الدين من العلمانيين وبعضهم شغال في الموسيقى، وبعضهم شغال في الأفلام، وبعضهم شغال في أي بلوى من هذه البلايا التي هي من صنع الفساق.
فأخرج عوداً من خريطة وشده ولعب به ففرح كل أهل المجلس.
وهنا يكون الخطر، فانظروا كيف كانت مجالس هؤلاء مع الأسف، يعني: مجالس سيف الدولة ابن حمدان، بدلاً من أن تكون مجالس ذكر جعلوها مجالس لهو وغناء وسماع للمنطق والفلسفة والعقائد الضالة.
فأخرج عوداً من خريطة وشده ولعب به ففرح كل أهل المجلس وضحكوا من الطرب، ثم غير الطرب فنام كل من هناك حتى البواب، فقام وذهب.
يعني: لديه من الألحان الموسيقية ما هي مبنية على دراسة نفسية، فعندما يضرب بالعود من الممكن أن يجعلهم يضحكون، ومن الممكن أن يضرب ويجعلهم كلهم يبكون، ومن الممكن أن يضرب ويجعلهم كلهم ينامون، يعني: مبنية بناءً دقيقاً من الناحية النفسية، فهي علم من العلوم.
ويقال: إنه أول من اخترع قانون الآلة المشهورة.
وكان يحب الوحدة، ويصنف في مواضع النزهة، وقل ما يبيض منها، وكان يتزهد زهد الفلاسفة، ولا يحتفل بملبس و