[نفات الصفات يقدمون العقل على النقل]
ومصدر المتكلمين من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية هو محض العقل.
ذكر الرازي في كتابه أساس التقديس قانوناً كلياً في تلقي العقائد، وناقشه من خلال ذكره للتعارض بين العقل والنقل؛ فقال: إن تعارض العقل مع النقل فإما أن نأخذ العقل وندع النقل، أو نأخذ النقل وندع العقل.
قال: إن أخذنا النقل فمعنى هذا أننا أبطلنا العقل، والعقل هو أساس التفكير الذي فهمنا به النقل، وحينئذٍ لا يصح أن نأخذ النقل ونبطل العقل، ما هو العمل إذاً؟ قال: نأخذ العقل؛ لأن العقل هو الأساس الذي فهمنا به النقل.
فإن قلنا له: وما كان ظاهره مخالفاً للعقل من النقل؟ قال: ما كان ظاهره مخالفاً للعقل من النقل فإننا نؤوله على سبيل التبرع، أو نرده ولا نقبله ونعتقد أن الراوي أخطأ في نقله، ولهذا ضعفت أهمية النصوص الشرعية عند هؤلاء، فألغوا كونها مصدراً للتلقي، وقالوا: إن النصوص تنقسم إلى قسمين: القرآن والسنة، والاستدلال بها يكون من جهتين: من حيث الثبوت، ومن حيث الدلالة.
قالوا: فأما من حيث الثبوت فإننا لا نقبل في العقائد إلا المتواتر، فأخرجوا ثلاثة أرباع السنة التي نقلت بالآحاد وقالوا: لا نقبل هذه في مجال العقائد.
ثم بقي القرآن المنقول بالتواتر، وبقي المتواتر من السنة، فانتقلوا من الثبوت إلى الدلالة، وقالوا: إن الدلالة اللفظية التي نقلت من الكتاب والسنة لا تدل على اليقين حتى تتجاوز عشر عقبات.
يقول: وعقبة من هذه العقبات كافية في عدم الاستدلال بها، وهو وجود المعارض العقلي لها.
يعني: العقبات التي ذكرها منها احتمال المجاز، ومنها احتمال التخصيص، ومنها العقل فيقول: إذا تجاوزت هذه الاستدلالات جميعاً استدللنا بها، ويكفي المنهج العقلي -أي: المعارض العقلي- في رد النص الشرعي إذا خالفه.
طبعاً هذا كلام باطل وخطير جداً في التعامل مع النصوص الشرعية، وهو الأساس الذي بنى عليه الجهمية والمعتزلة ومتأخرو الأشاعرة والماتريدية مذهبهم، والرازي وإن كان من الأشاعرة إلا أنه أخذه من المعتزلة، والمعتزلة أخذوه من الجهمية؛ ولهذا سماهم شيخ الإسلام رحمه الله جهمية، والجهمية تنقسم عند السلف إلى ثلاثة أقسام: الجهمية الأولى: وهم أتباع جهم بن صفوان مثل بشر المريسي وغيره.
والنوع الثاني من الجهمية: المعتزلة.
والنوع الثالث من الجهمية: الأشاعرة والماتريدية.