[أقوال السلف في الوقف في قوله تعالى (وما يعلم تأويله إلا الله)]
يقول الله عز وجل: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران:٧] يعني: أهل الأهواء {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران:٧] كما سبق.
ذكر الله عز وجل لذلك سببين: السبب الأول: {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ} [آل عمران:٧] لأنهم أهل أهواء.
والسبب الثاني: {وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران:٧] يعني: ابتغاء حقيقته وحقيقة معناه.
وفي هذه الآية وهي قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران:٧] اختلف السلف في الوقف فيها، هل يكون الوقف فيها على لفظ الجلالة وتكون الواو في قوله: ((وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)) للاستئناف، أم أن الوقف يكون على نهاية قوله: ((فِيْ الْعِلْمِ))؟ للسلف في هذا قولان: الأول: هو أن الوقف في قوله: ((وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ)) وأن الواو في قوله ((وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)) هي للاستئناف وليست للعطف.
وبناء على هذا فهم يفسرون التأويل في قوله: ((وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ)) بأن التأويل هنا المراد به حقيقة الشيء، والتأويل في لغة العرب يأتي لمعنيين: المعنى الأول: الحقيقة، والمعنى الثاني: التفسير.
فمن أمثلة مجيء التأويل بمعنى الحقيقة والكنه قول عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع يقول: سبحانك اللهم اغفر لي، يتأول القرآ) يعني: يأتي بحقيقة ما أمره الله عز وجل به من التسبيح والاستغفار في سورة النصر: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:٣].
ومن مجيء التأويل بمعنى التفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه لـ ابن عباس: (اللهم علمه التأوي) يعني: علمه التفسير.
ومنه أيضاً قول الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في كتابه (جامع البيان في تأويل القرآن) يعني: في تفسير القرآن، فهو يأتي إلى الآية ويقول: تأويل هذه الآية كذا وكذا، يعني: تفسيرها كذا وكذا.
هذا معنى التأويل في لغة العرب، وهو المعنى الذي استخدم في النصوص الشرعية.
لكن المتأخرون لهم معنى خاص في التأويل، وسنتحدث بشكل مفصل عن موضوع التأويل ومعانيه في هذا الكتاب في موضعه بإذن الله تعالى، لكن نحن ذكرنا هذه المعاني ليسهل علينا فهم الآية.
فمن وقف على لفظ الجلالة (الله) واعتبر أن الواو للاستئناف أراد بالتأويل هنا الحقيقة، فيصبح المعنى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:٧] يعني: وما يعلم حقيقته إلا الله سبحانه وتعالى.
فإن حقيقة صفاته وحقيقة المتشابه لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
ومن وقف على (العلم) واعتبر الواو عاطفة فسر التأويل بأنه التفسير، فقال: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} [آل عمران:٧] يعني: ما يعلم تفسير المتشابه إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، يعني: الراسخون في العلم يعلمون تفسيره أيضاً، وهذا من رسوخهم في العلم.
ولهذا ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أنا ممن يعلم تأويله) فهذا يدل على أن مذهب ابن عباس رضي الله عنهما هو الوصل، وروي عنه أنه يرى الوقف على لفظ الجلالة.
وكلا القولين مرويان عن السلف الصالح رضوان الله عليهم.
فالوقف على لفظ الجلالة مروي عن أبي بن كعب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها وابن عباس رضي الله عنهما.
والوصل والوقف على لفظ (العلم) واعتبار الواو للعطف مروي عن ابن عباس أيضاً، ومروي عن الربيع بن أنس وعن مجاهد بن جبر تلميذ ابن عباس رضي الله عنهما.