[استحالة عدم علم الصحابة بمعاني الأسماء والصفات]
قال المؤلف رحمه الله: [ثم من المحال أيضاً أن تكون القرون الفاضلة القرن الذي بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم؛ كانوا غير عالمين وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين؛ لأن ضد ذلك إما عدم العلم والقول، وإما اعتقاد نقيض الحق وقول خلاف الصدق، وكلاهما ممتنع.
أما الأول: فلأن من في قلبه أدنى حياة وطلب للعلم أو نهمة في العبادة يكون البحث عن هذا الباب والسؤال عنه ومعرفة الحق فيه أكبر مقاصده وأعظم مطالبه.
أعني: بيان ما ينبغي اعتقاده، لا معرفة كيفية الرب وصفاته، وليست النفوس الصحيحة إلى شيء أشوق منها إلى معرفة هذا الأمر].
يقول: إن الصحابة رضوان الله عليهم لابد أن يكونوا قد تحدثوا في مسائل الإيمان بالأسماء الحسنى والصفات العلى حديثاً كافياً؛ لأن من لم يتكلم في هذا الموضوع ويوضحه توضيحاً تاماً فله حالتان: إما أن يكون سكت لأنه ليس عنده علم بالحق، فلم يتكلم فيه، وإما أن يكون قال بالباطل ونقيض الحق.
فرد الأول، وقال: لا يمكن أن تكون الحالة الأولى موجودة عند الصحابة رضوان الله عليهم؛ لأن أي إنسان عنده محبة لطلب العلم، ونهمة في العبادة لابد أن يسأل عما يتعلق بصفات الله وأسمائه وأفعاله.
وأي إنسان عادي عنده محبة لطلب العلم فإنه عندما يدخل في هذا الدين مباشرة يسأل عن إله هذا الدين وعن صفاته وعن أفعاله وعن عبادته، فمن المستحيل أن يكون الصحابة الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل الله وقتلوا وجاهدوا في سبيل الله جاهلين بالله وأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى.
وقوله رحمه الله: (أعني: بيان ما ينبغي اعتقاده لا معرفة كيفية الرب وصفاته)، هذا استدراك؛ لأن بعض الناس قد يفهم من قوله: (أنه يكون البحث عن هذا الباب والسؤال عنه ومعرفة الحق فيه أكبر مقاصده)، أن من أكبر المقاصد البحث عن كيفية صفات الله عز وجل، فاستدرك على هذا الفهم الذي قد يطرأ على قارئ كلامه، فقال: أعني: ما ينبغي اعتقاده من الحق، وتصور الحق في هذه المسألة، وليس المقصود معرفة الكيفية؛ فإن معرفة الكيفية غير مدركة للإنسان.
قال المؤلف رحمه الله: [وهذا أمر معلوم بالفطرة الوجدية، فكيف يتصور مع قيام هذا المقتضى -الذي هو من أقوى المقتضيات- أن يتخلف عنه مقتضاه في أولئك السادة في مجموع عصورهم، هذا لا يكاد يقع من أبلد الخلق، وأشدهم إعراضاً عن الله، وأعظمهم إكباباً على طلب الدنيا، والغفلة عن ذكر الله تعالى، فكيف يقع من أولئك؟! وأما كونهم كانوا معتقدين فيه غير الحق أو قائليه فهذا لا يعتقده مسلم ولا عاقل عرف حال القوم].
فقوله: (وأما كونهم كانوا معتقدين فيه غير الحق)، أي: هذا فيه تضليل للصحابة وتجهيل لهم، وهذا الاعتقاد لا شك أنه اعتقاد باطل، وقائله ضال منحرف، والكلام عليه كالكلام على الشيعة في سبهم للصحابة رضوان الله عليهم.