[استحالة ورود ما يخالف ما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف من علو الله تعالى]
قال: (ثم ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من سلف الأمة لا من الصحابة والتابعين، ولا عن أئمة الدين، الذين أدركوا زمن الأهواء والاختلاف حرف واحد يخالف ذلك، لا نصاً ولا ظاهراً).
ولهذا لا يوجد أي نص عن أحد من الصحابة، أو أحد من التابعين، أو أحد من الأئمة المعروفين ينفي في علو الله عز وجل على خلقه، وهذه كلها من المعضّدات الدالة على إثبات هذه القضية وهي من القضايا البدهية الأساسية.
قال: (ولم يقل أحد منهم قط إن الله ليس في السماء، ولا إنه ليس على العرش).
لأن هذا مخالفة صريحة لنصوص القرآن والسنة.
قال: (ولا أنه بذاته في كل مكان) أي: كما يقول الحلولية المتصوفة، والجهمية المتأخرون.
قال: (ولا أن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء) يعني: أنه في العلو وفي السفل.
قال: (ولا أنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا متصل ولا منفصل) أي: كما يقوله عامة الأشعرية المتأخرين.
قال: (ولا أنه لا تجوز الإشارة إليه بالأصبع، ونحوها؛ بل قد ثبت في الصحيح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب خطبته العظيمة يوم عرفات، في أعظم مجمع حضره رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يقول: (ألا هل بلغت؟) فيقولون: نعم، فيرفع أصبعه إلى السماء وينكبها إليهم، ويقول: (اللهم اشهد) غير مرة).
وهذا أمر ثابت في الصحيح، وهو يدل على جواز الإشارة في إثبات علو الله عز وجل على خلقه، فتجوز الإشارة إلى السماء بخلاف ما يقوله الأشاعرة من تحريم الإشارة إلى الله عز وجل، وأنه في السماء.
وهذا أيضاً يدل على إثبات العقائد بالفعل، فإن إثبات العقائد يكون بالفعل، ويكون بالإقرار، ويكون بالقول؛ فأما القول فهو الأصل في إثبات العقائد، وأما الفعل فمثل هذا، وأما الإقرار فهو مثل حديث الجارية عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم الجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء، أو أشارت إلى السماء، وقال: من أنا؟ قالت: رسول الله، قال: أعتقها؛ فإنها مؤمنة) وهذا إقرار لما تضمنه هذا الحديث من العقائد.
وإلى هنا انتهى شيخ الإسلام من تقرير إثبات علو الله عز وجل على خلقه، وقد استخدم في هذا التقرير الاستدلال بالقرآن، والاستدلال بالسنة، والاستدلال بإجماع الصحابة، والاستدلال بنفي المخالف في هذا الموضوع، والاستدلال بالقول، والاستدلال بالفعل، والاستدلال بالتقرير، والاستدلال ببيان أن قول المخالف لم يكون موجوداً في القرون الثلاثة المفضّلة، هذا الاستدلال كله على إثبات هذه الحقيقة التي هي إثبات علو الله عز وجل على خلقه.