إنه مما لا يخفى وجود بعض من ينتسبون إلى العلم، ويفتون ويحللون أموراً ليست محل خلاف مثل الغناء والخلوة، هل الأفضل التحذير من أشخاصهم، أم نكتفي بإبطال كلامهم بدون ذكر أسمائهم؟
الجواب
هذه المسألة في الحقيقة مسألة راجعة إلى الحالة التي يتكلم فيها الشخص، فقد يكون من المصلحة أن يسمي الإنسان بعض هؤلاء للتحذير من قوله ومقالته، ويرد عليه ويبين خطأه، وربما يكون من المصلحة عدم ذكر اسمه، كما فعل ابن تيمية رحمه الله في هذا الكتاب حيث أخفى أسماء المتكلمين، فهي راجعة إلى اعتبار المصلحة والمفسدة، وهنا أحب أن أنبه إلى قضية مهمة جداً، وهي أن كثيراً من الناس بالغ مبالغة كبيرة جداً في قضية الموازنة بين الحسنات والسيئات في تقويمه للأشخاص، فتجد أن كل شخص يريد أن يوازن بين حسناته وسيئاته، ويقول: بناءً على هذا فهذه أخطاء تحتمل وهي بسيطة، ويكون هناك تساهل في الرد على المبتدعة أو أصحاب المقالات الباطلة.
والحقيقة أن هذه المقالة -مقالة الموازنة بين الحسنات والسيئات- هي مقالة عامة فضفاضة ليست مقالة محددة ومنضبطة، وإذا كان المقصود الموازنة بين الحسنات والسيئات في تقويم شخص ملتزم بمنهج أهل السنة والجماعة عقيدة وعملاً، إلا أنه لديه أخطاء اجتهادية، وقد تكون هناك زلات في بعض الأحيان، فمثل هذا يمكن أن نقول بالموازنة بين الحسنات والسيئات، لكن لا يصح أبداً أن نأخذ أهل البدع ونوازن بين حسناتهم وسيئاتهم؛ لأن أهل البدع نهجوا منهجاً مخالفاً لمنهج أهل السنة، ولهذا عندما ترجعون إلى كتاب الرد على الجهمية للدرامي رحمه الله، أو رد الإمام الدارمي نفسه على بشر المريسي، فإنه لما جاء للرد على بشر المريسي لم يذكر حسنات بشر المريسي، وإنما ذكر الأمور التي خالف بها السنة لتحذير الناس منها وتعليم الناس خطورة هذه الأقوال، وهكذا الحال في شأن الطوائف وفي شأن الرموز، التي تظهر على أنها تتبنى قولاً مخالفاً لأصول العقيدة الصحيحة، فمثل هذا يجب أن يرد عليه، وكثيراً من الأحيان لا يكون من الحكمة أن تذكر حسناته؛ لأن المجال ليس مجالاً لذكر الحسنات، وإنما هو مجال لبيان الخطأ الذي أخطأ فيه لإصلاحه، وعدم اعتقاده بالنسبة للناس، ولهذا تجد أن مثل من يقول هذا القول قد يتناقض في تقويمه لأمور أخرى، وشخصيات وهيئات ومؤسسات أخرى.