تحدثنا في الدروس الماضية عن مسألة إثبات علو الله سبحانه وتعالى على خلقه، وأن العلو ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين والفطرة والعقل، وأنه لم يكن هناك خلاف في هذه المسألة الكبيرة من مسائل العقيدة في بداية تاريخ هذه الأمة، في زمن الصحابة رضوان الله عليهم وفي زمن التابعين، حتى ظهرت الفرق الضالة المنحرفة عن السنة، وأول من أنكر علو الله عز وجل على خلقه هم الجهمية أتباع جهم بن صفوان، واعتمد هؤلاء في نفيهم صفات الله عز وجل عموماً، على العقل المجرد، ولم تكن الشبهة عندهم منذ أول لحظة هي أنه أشكل عليهم فهم النصوص الشرعية، فيحتاجون أن يكشف عنهم هذا الإشكال، وإنما كان الأمر منذ أول لحظة أنهم اتخذوا العقل مصدراً للتلقي في العقيدة ومنها صفات الله سبحانه وتعالى، وتركوا الكتاب والسنة.
وقد بينا في دروس ماضية عن السبب الذي جعل هؤلاء المبتدعة يتخذون العقل مصدراً للتلقي، وهو: مناقشتهم للفلاسفة والملاحدة، وأصحاب الديانات الأخرى، والسبب في ذلك أيضاً: جهلهم بكون النصوص الشرعية متضمنة للأدلة العقلية الكافية، التي لا تتضمن شيئاً من إبطال العقائد الأخرى، فهم ظنوا أن النصوص الشرعية إنما هي مجرد إخبار عن الغيب فقط، وأن الله عز وجل والرسول صلى الله عليه وسلم يخبران عن الغيب مجرد إخبار بدون برهان، وبدون دليل كاف في الإقناع، فبدءوا يطلبون الأدلة المقنعة حسب تصوراتهم من العقل المجرد، فكانت هذه الشبهات الموجودة عندهم التي منعوا من أجلها وصف الله عز وجل بما وصف به نفسه في الكتاب، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم في السنة.
والشبهات أو الأصول العقلية التي لأجلها أولوا أو نفوا الصفات أو بعضها، مردها إلى أربع شبهات، أو أربعة أدلة عقلية كبرى: الدليل الأول: هو دليل تعدد القدماء، وهذا دليل المعتزلة.
الدليل الثاني: هو دليل التركيب، وهذا دليل للمعتزلة والأشاعرة والماتريدية.
الدليل الثالث: دليل منع حلول الحوادث بذات الله سبحانه وتعالى، وهذا دليل يشمل جميع طوائف أهل الكلام من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية أيضاً.
الدليل الرابع: دليل التشبيه والتمثيل، وهو يشمل جميع الطوائف السابقة.
نأخذ هذه الأدلة التي ذكروها دليلاً دليلاً؛ لنبين بطلان هذه الأدلة.