للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرق بين أهل الكلام وأهل الفلسفة]

السؤال

ما الفرق بين أهل الكلام وأهل الفلسفة؟

الجواب

كنت أحب أن أنبه إلى الفرق بين أهل الكلام وأهل الفلسفة: علم الكلام وعلم الفلسفة وعلم المنطق: الفرق هو: أن علم الفلسفة المقصود بكلمة فيلسوف يعني: عاشق الحكمة، أو محب الحكمة، وهي كلمة يونانية، وعلم الفلسفة علم نشأ عند اليونان، واليونان هم أمة كانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم وقبل عيسى عليه السلام، وهؤلاء اليونان وثنيون لا يعتمدون على الرسالة السماوية كما هو الحاصل عند اليهود أو النصارى، وإنما هم وثنيون، لكنهم حاولوا أن يحركوا عقولهم وأذهانهم في الاستدلال على ما وراء الطبيعة التي يسمونها الميتافيزيقيا كما قلت سابقاً، فتكلموا في قضايا الغيبيات كثيراً، وتكلموا في خالق هذا الكون، وتكلموا في هذا الكون هل يبعث مرة أخرى؟ وهل يعود الناس؟ والعلاقة بين الذي يخلق هذا الكون، وبين المخلوقات سواء الإنسان أو غيره؟ تكلموا كثيراً في هذا الموضوع وأطالوا، ولهم مقالات محددة ومعينة.

وأبرز هؤلاء الفلاسفة أرسطو، وقد نقل ابن سينا الملحد مقالات أرسطو ولخصها وهذبها ونشرها في صفوف المسلمين في كتاب سماه النجاة، وفي كتاب سماه الإشارات والتنبيهات، وفي كتاب سماه الشفاء، وهو مرض، ولهذا يقولون: إن الغزالي أمرضه الشفاء، يعني: أمرضه كتاب الشفاء لـ ابن سينا، أمرضه في عقيدته، هذا ما يتعلق بعلم الفلسفة في بدايته.

ثم لما ظهر سقراط تحدث عن الإنسان، وتحدث عن النفس الإنسانية، وتحدث عن الأخلاق، وتحدث عن الآداب، وتحدث عن الطباع، وتحدث عن القضايا التي يعايشها الإنسان، سواءً قضايا نفسية أو اجتماعية، ولهذا يقولون: إن سقراط أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض، فيقصدون أنه نقل الفلسفة - من حيث الموضوع - من الكلام في قضايا الغيبيات السماوية: الملائكة، النبوة، الله، البعث إلى غير ذلك؛ إلى الكلام عن الإنسان وأخلاق الإنسان وآداب الإنسان، إذاً: هذا ما يتعلق بالفلسفة.

الفلسفة اليونانية نقلها مجموعة من المنتسبين إلى الإسلام مثل الفارابي وابن سينا والكندي وابن النفيس وابن رشد وغيرهم، نقلوها كما هي واعتقدوا مقتضاها مع وجود تغييرات وتحسينات ومحاولة للربط بين هذه الفلسفة وبين النصوص الشرعية، فظهرت طائفة من المنتسبين للإسلام يعتقدون عقائد هؤلاء الوثنيين تماماً، ومثلهم مثل أصحاب المذاهب الفكرية المعاصرة، والآن ألَاَ يوجد في منتسبي الإسلام شيوعيون وأناس يعتقدون عقائد الوجودية، وأناس يعتقدون عقائد الحداثة، وأناس يعتقدون العقائد الأوروبية تماماً؟! مع أن الأوروبيين كفار مثل اليونان.

فهؤلاء جاءوا بهذه العقائد وأرادوا تنزيلها على المسلمين، لكن كانوا عدداً محصوراً وقليلاً ليست لهم صولة وجولة اجتماعية، مثل الواقع المعاصر لأصحاب المذاهب الفكرية الآن، فقام مجموعة من المسلمين وردوا على هؤلاء الفلاسفة المنتسبين للإسلام، وردوا على فلاسفة اليونان بعلم قليل كما سبق، وتكون من هؤلاء من خلال الحوارات والمناقشات طائفة جديدة يمكن أن نسميها بأهل الكلام مثل العصريين الآن، فالعصريُّون الآن هم عبارة عن مجموعة من المتحمسين لقضايا الدين، ومن أصحاب الدعوة الإسلامية، أرادوا الرد على الذين نقلوا المذاهب الفكرية الأوروبية إلى المجتمعات الإسلامية، وأرادوا تعميمها على المجتمعات في قضايا السياسة والاقتصاد والاجتماع والنفس والمرأة مثلاً إلى غير ذلك، فقام مجموعة من الدعاة للرد على هؤلاء كما قام المتكلمون للرد على الفلاسفة ابن سينا والكندي والفارابي.

أولئك ليس عندهم علم شرعي فتأثروا وجاءوا ببدع، وهؤلاء العصريُّون أيضاً ليس عندهم علم شرعي، فقاموا للرد على هؤلاء فتأثروا ببعض مناهجهم، وقالوا بمقالات خطيرة ليست موافقة للسنة ولا لمنهج السلف الصالح رضوان الله عليهم.

فأنت إذا قارنت بين القديم والحديث تجد أن اليونان يشابهون الأوروبيين الآن، وأن الفلاسفة الإسلاميين -كما يسمونهم- ابن سينا والكندي والفارابي يشابهون العلمانيين أصحاب الطروحات الفكرية، الذين يتبنون مذاهب الغرب فيها، مثل الحداثة ومثل العلمانية في السياسة والاقتصاد، ومثل الوجودية، ومثل أي مذهب من المذاهب الفكرية، فهؤلاء مثل هؤلاء.

فأهل الكلام الذين ردوا على الفلاسفة الإسلاميين، ردوا على ابن سينا، وردوا على الفارابي، فهم مثل العصريين في الواقع المعاصر، الذين ردوا على أصحاب المذاهب الفكرية، مثل الأستاذ محمد الغزالي المتوفى رحمه الله، هذا رد على أصحاب المذاهب الفكرية، لكنه لوجود الضغط الحضاري الكبير على الأمة المسلمة من خلال الغرب ومن خلال العلمانيين الذين ينتسبون إلى الإسلام؛ ولَّد

<<  <  ج: ص:  >  >>