الشبهة الرابعة: أن منهج السلف منهج متشدد: يقولون: إن منهج السلف منهج متشدد متعصب، لا يتعامل مع الناس بمرونة، وليس عنده مرونة، وأصحاب هذا الفكر هم الذين يسمون بالعصرانيين.
والعصرانيون هم طائفة لهم امتداد تاريخي قديم، ولهم وجود معاصر الآن، وتختلف مقالاتهم، لكن بالجملة تشملهم روح واحدة وهي أنهم يعتقدون أن منهج السلف منهج قاس متشدد، لا يصلح في هذه العصور المتأخرة التي تمكن الغرب من الحضارة، وتمكنوا أيضاً من العالم الإسلامي، وتمكنت أمريكا من العالم عن طريق هيئة الأمم المتحدة، وعن طريق قواعدها العسكرية التي نثرتها في كل مكان في العالم، فهم يقولون: إنه لا يمكن أن نأخذ منهج السلف والحالة هذه، قالوا: والحل أن نكون مرنين في الغناء، فإن الغناء قضية أصبحت جزءاً من حياتنا، واختلاط المرأة بالرجل هي أيضاً جزء آخر، فهي حلال.
وكذلك الأموال الربوية لو جئت تطالب البنوك في كل العالم أن تغلق لم يسمع لك أحد، ولهذا يسمون أصحاب المنهج السلفي أصحاب فقه المنع، فعندهم كل شيء ممنوع ممنوع ممنوع، ولهذا يقولون: لابد أن نكون مرنين في التعامل مع الناس.
وأصحاب هذا الفكر خطيرون على الأمة الإسلامية؛ لأنهم يجعلون الأمة تذوب في غيرها من الأمم، وتتخلى عن مقوماتها وعن عقائدها وعن مناهجها الأساسية في الحياة التي تميزت بها عن غيرها؛ بحجة أن الضغط قوي، وأن البلاء كبير.
والحقيقة أنه مهما حصل الضغط على المسلمين ومهما ابتلي المسلمون، ومهما انتشر الفساد في الأرض، فالواجب ألا يتغير المنهج وألا تتغير العقيدة، فالعقيدة هي العقيدة، والأحكام هي الأحكام لا تتغير لانتشار أمر من الأمور في زمن من الأزمان، وإنما الأحكام هي الأحكام والعقيدة هي العقيدة والدين هو الدين، حتى لو لم يبق إلا عشرة مسلمين والبقية ليسوا على ذلك فيجب أن تبقى العقيدة الصحيحة معهم وأن تبقى الأحكام معهم، فالغناء حرام والاختلاط حرام والربا حرام، فهذه الأشياء حرام جميعاً، حتى لو أن العالم جميعه مارس هذه الأمور.
ولهذا هؤلاء يريدون اليوم أن يلتفوا على الصحوة الإسلامية، وأن يلتفوا على الشباب الصالحين الجدد الذين لهم حركة في الدعوة إلى الله عز وجل وإلى الإصلاح، فيقولون: إنكم مهما تحركتم فإنكم لا تستطيعون زحزحة الدب الغربي الذي يجثم على صدر المسلمين، فلا تستطيعون حينئذ أن تغيروا الحياة، لكن حتى تغيروا الحياة لابد أن تكونوا مرنين، وأن تحتكوا بالمجتمع، ولا يكون هناك عوازل بينكم وبين المجتمع، ونحن نقول: إنه ليست هناك عوازل -ولله الحمد- بين الشباب السلفي والمجتمع، لكن هذا الاتصال يتضمن إنكار المنكرات، ويتضمن النصيحة، ويتضمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتضمن التعليم، ويتضمن الثبات على الحق وعدم قبول المساومة في أي عقيدة من العقائد.