ثم انقسموا بعد ذلك إلى قسمين في كيفية التعبد لهذه الكواكب: فقسم منهم عباد الكواكب الذين قالوا: بأنه يجب علينا أن نعبد هذه الكواكب مباشرة، وأنه بإمكان الإنسان أن يعبدها مباشرة بدون وسائط بينه وبينها، وهؤلاء هم عباد الكواكب الذين ناظرهم إبراهيم عليه السلام في سورة الأنعام، عندما:{رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ}[الأنعام:٧٨]، وما بعدها من الآيات المتعلقة بمناظرة إبراهيم لقومه، فهذه المناظرة كانت لهذا الصنف من الصابئة.
والقسم الثاني: كانوا يرون أن الإنسان لا يمكن له أن يتعبد لهذه الكواكب مباشرة، وإنما ينبغي له أن يتخذ أصناماً وهياكل يتعبد لها، وهذه الهياكل والأصنام تنقل هذا التعبد لهذه الكواكب، وهذه الكواكب تنقل هذا التعبد بطبيعة الحال إلى المبدع الأول الذي هو الله سبحانه وتعالى، ومن هنا ظهر صنف من الصابئة يعبدون الأصنام، وكان منهم أبو إبراهيم عليه السلام الذي كان ينحت الأصنام، ومناظرة إبراهيم لهذا الصنف معروفة، فإنه دخل عليها وهي في بهو عظيم وحطمها وكسرها، ثم وضع الفأس على الكبير الذي هو زعيمهم؛ ليكون هو مدار المناظرة والمناقشة التي صارت بينه وبينهم، فلما أقبلوا ووجدوا هذه الأصنام مكسرة:{قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا}[الأنبياء:٥٩]؟ فذكر رجل أنه سمع فتى يذكرهم -يعني: يذكر هذه الأصنام- يقال له: إبراهيم، فناقشوه فقال:{فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ}[الأنبياء:٦٣]، فطلب منهم أن يسألوا هذه الآلهة إن كانوا ينطقون، فقالوا له {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ}[الأنبياء:٦٥] فاحتج عليهم بكيف تعبدون هذه الأصنام وهذه الآلهة التي لا تنطق ولا تتكلم؟ فرجعوا {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ}[الأنبياء:٦٥]، وقالوا:{لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ}[الأنبياء:٦٥]، ثم هددوه بأن يضعوه في النار الكبرى التي أوقدوها، في قصة مشهورة لإبراهيم عليه السلام.