للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[يقينية وصدق القرآن الكريم والسنة المطهرة]

ومن لا يعتقد بيقينية القرآن وعصمة القرآن فلا شك أنه ليس من المسلمين، فإذا ناقش أحد في يقينية القرآن، وأنه حق من عند الله عز وجل فإننا نثبت له ذلك من أدلة صدق النبي وصدق ما جاء به، والرسول صلى الله عليه وسلم وجب اتباعه علينا؛ لأن ما جاء به حق، ومعرفتنا بكون ما جاء به حق لم تأت بمجرد دعواه أن ما جاء به حق، فإنه ليس كل من ادعى أنه نبي يكون كذلك، فقد ادعى أشخاص كثيرون النبوة وهم ليسوا من الأنبياء، كـ مسيلمة الكذاب وسجاح وطليحة الأسدي والأسود العنسي وغيرهم ممن ادعوا النبوة وهم كذابون، فإذا كان الأمر كذلك فكيف نعرف صدق النبي صلى الله عليه وسلم؟ هل وضح للمشركين الذين جاء إليهم يقينية دعوته وأنها معصومة أو لم يوضحه؟ وللجواب على هذا السؤال نقول: لقد وضح النبي صلى الله عليه وسلم عصمة رسالته، ووضح للناس أن رسالته يقينية وأنها حق لا تقبل الجدال ولا تقبل النقاش، وقد عرفوا ذلك وأيقنوا به ولم يشكوا فيه، وذلك أنه يمكن أن نلخص أدلة صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أمور: الأمر الأول: تضمن الوحي الذي جاء به لما يدل على عصمته وصدقه ونبوته؛ فإن الوحي الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم يتضمن أنه حق، وأنه صادق، وأن ما جاء به من عند الله ليس من وساوس الشياطين؛ لأن القرآن الموجود بين أيدينا يدل دلالة يقينية على أن هذا الكلام الموجود فيه إنما هو كلام الله، ويدل على ذلك ثلاثة أمور: الأمر الأول: أن الله عز وجل تحدى المكذبين أن يأتوا بمثل هذا القرآن، بل تحداهم بأن يأتوا بعشر سور مثله، بل تحداهم بأن يأتوا بسورة واحدة من مثله، وهذا التحدي ما زال مستمراً إلى قيام الساعة، ومع هذا لم يأت أحد بمثل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا القرآن، يقول الله عز وجل: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:٨٨]، ويقول سبحانه وتعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [هود:١٣]، ويقول الله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:٢٣]، ولا يزال هذا التحدي مستمراً إلى قيام الساعة، ولم يأت أحد بمثل هذا القرآن ولا بشيء منه، وهذا يدل دلالة ظاهرة على أن هذا القرآن من كلام الله، وليس من كلام البشر.

فإذا كان القرآن من كلام الله وليس من كلام البشر فله مميزات تختلف عن كلام البشر، كما أن لصفاته مميزات تختلف عن صفات البشر، وبناءً على هذا نعلم أن هذا الوحي حق، وأنه يتضمن بيان أنه حق.

ومما يدل على أن القرآن يتضمن الحق في نفسه وأنه يدل على صدق الرسول أنه أخبر عن مغيبات فوقعت كما أخبر، ومن تلك المغيبات التي أخبر عنها القرآن ونحن نراها: حفظ القرآن، فقد أخبر الله عز وجل أن هذا القرآن محفوظ، كما قال الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩].

وهذا القرآن محفوظ إلى اليوم، وقد مضى عليه أكثر من أربعة عشر قرناً ولم يتغير ولم يتبدل، ولم يزد فيه أحد حرفاً واحداً، وهذا يدل دلالة يقينية على أن القرآن حق؛ لأنه أخبر سبحانه أنه محفوظ، مع أن الكتب الماضية التي أنزلها الله عز وجل على أنبيائه كالتوراة والإنجيل وغيرها لما لم يخبر الله عز وجل أنها محفوظة بدلها أتباعها في وقت قصير جداً، فمثلاً: بعد وفاة المسيح بفترة بسيطة تغيرت الأناجيل، وأصبحت أربعة أناجيل بعد أن كان إنجيلاً واحداً هو الذي نزل من السماء، وهذا يدل على أن هذا القرآن حق، فإنه أخبر عن هذا الأمر الغيبي الذي سيحصل في المستقبل، فوقع كما هو، وسيستمر حفظ الله لهذا القرآن إلى قيام الساعة.

ومن الأمور المغيبات التي أخبر الله عز وجل عنها: ظهور الدين وتمكينه للصحابة رضوان الله عليهم فقادوا الأمم، وقد أخبر الله عز وجل عن هذا الأمر في فترة كانوا فيها من المستضعفين، فوقع ما أخبر الله سبحانه وتعالى به، وظهر الصحابة رضوان الله عليهم حتى إنه في زمن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فتحت الأندلس في أوروبا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم باثنتين وثمانين سنة، ففتحت الأندلس وهي جزء من أوروبا في سنة ٩٢هـ، يقول الله عز وجل: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف:٨].

وهناك مغيبات متعددة أخبر عنها القرآن فوقعت كما هي، مثل غلبة الروم للفرس، كما ذكر ذلك عز وجل في سورة الروم، ويمكن مراجعة ذلك في

<<  <  ج: ص:  >  >>