للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المقدمات التي يتركب منها دليل منع حلول الحوادث والاستدلال به على أن الله هو الخالق]

إن دليل منع حلول الحوادث الذي استخدمه أهل البدع يبنونه على ثلاث مقدمات: المقدمة الأولى: إثبات أن هذا العالم حادث.

المقدمة الثانية: إثبات أن كل حادث لابد له من محدث.

المقدمة الثالثة: أن المحدث هو الله عز وجل.

فإذا جاءوا إلى إثبات حدوث العالم، قالوا: العالم ينقسم إلى قسمين: جواهر وأعراض.

الجواهر: هي التي تقوم بذاتها.

والأعراض: هي التي تقوم بغيرها.

مثال الجواهر: الجوهر الفرد، وسيأتي معنا الحديث عنه، فإنه لا يتجزأ، ومثال الجواهر أيضاً: الأمور التي تقوم بذاتها مثل الكتاب والإنسان وأي شيء يقوم بذاته، فهذا يسمى عندهم جوهراً.

أما الأعراض فجمع عرض، وهذا العرض هو الذي يقوم بغيره ولا يمكن أن يكون منفصلاً عن الجوهر، مثل: الألوان والطعوم والروائح، وهذه لا يمكن أن تقوم بذاتها.

فمثلاً: رائحة العطر، هل يمكن أن يكون مستقلاً بذاته هكذا؟ لا، كذلك: هل البياض ممكن أن يكون بياضاً لوحده مستقلاً؟ لابد أن يكون مركباً مع غيره.

فيقولون: إننا سبرنا هذا العالم الموجود فإذا هو مكون من جواهر وأعراض، ثم يستدلون على حدوث الجوهر، وعلى حدوث العرض، فيستدلون على أن الجوهر حادث، فيقولون: إن الجوهر مفتقر إلى غيره؛ لأن الجسم يتكون من مجموعة جواهر، والجوهر إذا قسمته أجزاء بسيطة وصغيرة، فإنك ستجد أنه مقسم إلى ذرات صغيرة، وهذه الذرات الصغيرة يتركب بعضها مع بعض حتى تكون الجسم، وتركب بعضها مع بعض يدل على حدوثها، والسبب في دلالته على حدوثها أن كل جزء من هذه الأجزاء مفتقر إلى الجزء الآخر المكون للجسم بشكل عام، هذا من جهة.

ومن جهة ثانية: فإن الجوهر لا يمكن أن يعرف إلا إذا تلبس به العرض، والعرض حادث، وما قام به الحادث فهو حادث، هذا الاستدلال على حدوث الجواهر.

وأما الأعراض، فيقولون: الأعراض هي حادثة ولابد؛ لأنها محتاجة إلى غيرها، فاللون محتاج إلى جسم حتى يتضح، وهكذا الروائح، وهكذا الطعوم، فهي بحاجة إلى غيرها، وهذا الاحتياج يدل على افتقارها، والافتقار يدل على حدوثها.

إذاً: تحصل من هذا أن العالم حادث.

المقدمة الثانية: لابد من إثبات أن أي أمر حادث لابد له من وجود محدث وراءه.

وهذه مقدمة فطرية عند الإنسان، فالطفل الصغير إذا كان متجهاً إلى جهة وحركته التفت مباشرة؛ لأنه مفطور على أنه لا يمكن أن يحصل شيء إلا بسبب.

فاستدلوا عليها بما يسمى قياس الغائب على الشاهد، قالوا: إن المشاهد أن كل حدث لابد له من محدث، وهذه قضية فطرية ليس فيها مشكلة، لكن يتعبون حين يستدلون بالعقل حتى يصلوا إليها.

المقدمة الثالثة: أن محدث العالم هو الله عز وجل: كيف يستدلون على هذه المقدمة؟ يسمون الدليل الذي يستخدمونه: دليل السبر والتقسيم، فيستعرضون أنواع المحدثات الممكنة المحتملة، فيقولون: هل من الممكن أن يكون العالم أحدثته الطبيعة هكذا؟ لا يمكن، والدليل على ذلك أن هذا النظام الموجود لابد أن يكون وراءه مدبر، له علم وله كذا وله كذا حتى يكون محدثه، هذا أولاً.

فهل يمكن أن تُكوِّن هذه المحدثات بعضها بعضاً إلى ما لا نهاية؟ قالوا: لا يجوز.

وهل يمكن أن يكون أحد غير الله محدثاً لهذا الكون، مثل الآلهة المزعومة؟ قالوا: لا يصح، ويستدلون على هذه القضية.

بعد هذه المقدمات الطويلة فالنتيجة تساوي أن الله موجود.

<<  <  ج: ص:  >  >>