[شبهات نفاة الصفات مأخوذة عن طواغيت الشرك والصابئة]
تحدثنا في الدرس الماضي عن شبهات المعطلة أهل الكلام كالمعتزلة والأشاعرة والماتريدية في نفي الصفات، وقلنا: إن مجموع هذه الشبه تدور على أربع شبه: الشبهة الأولى: شبهة تعدد القدماء، وقد بينا معناها والرد عليها، وهي شبهة المعتزلة.
والشبهة الثانية: شبهة التركيب، وهي شبهة المعتزلة والأشاعرة والماتريدية، وهي شبهة عامة أهل الكلام.
وقد بينا حقيقة هذه الشبهة، وأنه بسببها نفى أهل الكلام صفات الله سبحانه وتعالى الذاتية، وبينا الرد عليها.
والشبهة الثالثة: شبهة منع حلول الحوادث بذات الله سبحانه وتعالى، وقلنا: إن هذه الشبهة هي شبهة عامة المتكلمين أيضاً، وبينا الرد عليها.
والشبهة الرابعة: شبهة التشبيه والتمثيل، وكذلك بينا حقيقتها والرد عليها.
وبعد بيان هذه الشبه بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أصل مقالة التعطيل ونفي الصفات، وأرخ لبدايتها، كما أنه بين جذورها العقدية والفكرية، وبين رحمه الله تعالى المنطلق الذي كان سبباً في نفي هؤلاء المعطلة لصفات الله سبحانه وتعالى.
وذكر رموز أهل التعطيل في عصور مختلفة ومتنوعة، وسيكون حديثنا هنا بإذن الله تعالى حول هذا الموضوع.
وقبل أن نبدأ في هذا الموضوع أحب أن نقرأ أولاً كلام شيخ الإسلام بشكل مختصر حول شبهات هؤلاء ضمن كلامه حول اللوازم التي تلزم المعطلة في نفيهم لصفات الله سبحانه وتعالى، ثم نتحدث مباشرة عن هذا الموضوع الذي سيكون محور حديثنا بإذن الله تعالى.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثم عامة هذه الشبهات التي يسمونها دلائل، إنما تقلدوا أكثرها عن طواغيت من طواغيت المشركين أو الصابئين، أو بعض ورثتهم الذين أمروا أن يكفروا بهم، مثل: فلان! وفلان! أو عن من قال كقولهم لتشابه قلوبهم، {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:٦٥]، {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} [البقرة:٢١٣].
ولازم هذه المقالة: أن لا يكون الكتاب هدى للناس، ولا بياناً ولا شفاء لما في الصدور، ولا نوراً ولا مرداً عند التنازع؛ لأنا نعلم بالاضطرار أن ما يقول هؤلاء المتكلفون إنه الحق الذي يجب اعتقاده لم يدل عليه الكتاب والسنة لا نصاً ولا ظاهراً، وإنما غاية المتحذلق أن يستنتج هذا من قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:٤]، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:٦٥]].
سبق أن بينا السبب في كون هؤلاء لا يعتمدون أصلاً في تلقيهم لقضايا العقائد على النصوص الشرعية، فإنهم يؤصلون العقائد أولاً بالأدلة العقلية حسب ظنهم، وهي ليست أدلة عقلية، وإنما هي جهالات وشبهات، ولهذا عندما التزموا هذه الأدلة العقلية فيما ظنوا ترتب على هذه الأدلة العقلية أنهم نفوا صفات الله سبحانه وتعالى، بعضها أو كلها.
فهؤلاء أصلاً من حيث المنطلق لم يكن المنطلق الأساسي في نفي الصفات والنصوص آيات أشكلت عليهم وفهموها على غير وجهها، وإنما انطلقوا في بداية أمرهم من تأصيل فاسد، وهو أن العقل هو المصدر الأساسي في تلقي العقائد، فلما أسسوا هذه العقائد على العقل بعيداً عن الشرع، ترتب على هذا أنهم استخدموا أدلة عقلية كانت مؤثرة على النصوص الشرعية؛ لأنهم عندما استخدموا هذه الأدلة العقلية قال لهم الناس: أنتم بدليلكم العقلي هذا خالفتم النص الفلاني، والنص الفلاني، وخالفتم الصفة الفلانية.
فقاموا بتأويل هذه النصوص الشرعية حتى توافق القواطع العقلية، ولهذا إذا ناقشوا شخصاً لا يعترف بغير الكتاب والسنة ويقول: الكتاب والسنة فيها أدلة عقلية كافية، يقول هؤلاء: إن نفي الصفات موجود ضمن الكتاب والسنة، ويأتون بالعمومات مثل: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:٤].
وكأن الإنسان إذا أثبت الصفات لزم منه أن يكون مشبهاً لله عز وجل بخلقه، وهذا فاسد فإنه {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:٤]، و {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١]، ولا سمي له، ومع هذا هو موصوف بالصفات، ولا تعارض بين إثباتنا للصفات ونفي المشابهة عن المخلوقات، فالله أثبت لنفسه الصفات ونفى المشابهة عن المخلوقات.
فهذه الصفات التي نثبتها لله لا تشبه صفات المخلوقين؛ لأن الخالق لا يشبه المخلوقين بأي وجه من الوجوه، ولهذا ظن هؤلاء أن مجرد إثبات الصفات يلزم منه مشابهة المخلوقات، ولهذا اضطربوا اضط