[دليل الأولى على تعليم الرسول للصحابة معاني الأسماء والصفات]
قال المؤلف رحمه الله: [ومن المحال أيضاً أن يكون النبي قد علم أمته كل شيء حتى الخراءة].
وهذا يشير فيه إلى ما رواه الإمام مسلم عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قيل له: (قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة؟ قال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، وأن نستنجي باليمين، وأن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، وأن نستنجي برجيع أو بعظم).
فالنبي صلى الله عليه وسلم ما ترك أمراً من الأمور إلا دلّ أمته عليه حتى الأمور البسيطة، مثل موضوع الذهاب إلى قضاء الحاجة.
قال المؤلف رحمه الله: [وقال: (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك)].
وهذا الحديث رواه بهذا اللفظ الإمام ابن ماجة رحمه الله في سننه من حديث العرباض بن سارية، في الحديث المشهور الذي قال فيه: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! إن هذه لموعظة مودع، فماذا تعهد إلينا) وفي بعض الألفاظ: فأوصنا.
فذكر هذا الحديث.
وهذا الحديث إسناده صحيح، صححه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة.
قال المؤلف رحمه الله: [وقال فيما صح عنه أيضاً: (ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم)].
وهذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وهذا الحديث فيه بيان أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما أخبر الله عز وجل عنه كان حريصاً على أمته، قال تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨].
قال المؤلف رحمه الله: [وقال أبو ذر رضي الله تعالى عنه: (لقد توفي رسول الله وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً)].
وهذا الأثر رواه الإمام أحمد في المسند بإسناد فيه نظر، ورواه الطبراني، وقال الهيثمي رحمه الله: إن رجال الطبراني رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، وهو ثقة.
قال المؤلف رحمه الله: [وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: (قام فينا رسول الله مقاماً، فذكر بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه).
رواه البخاري].
ورواه أيضاً مسلم في صحيحه.
قال المؤلف رحمه الله: [ومحال مع تعليمهم كل شيء لهم فيه منفعة في الدين -وإن دقت- أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم ويعتقدونه بقلوبهم في ربهم ومعبودهم رب العالمين، الذي معرفته غاية المعارف، وعبادته أشرف المقاصد، والوصول إليه غاية المطالب، بل هذا خلاصة الدعوة النبوية وزبدة الرسالة الإلهية، فكيف يتوهم من في قلبه أدنى مسكة من إيمان وحكمة أن لا يكون بيان هذا الباب قد وقع من الرسول صلى الله عليه وسلم على غاية التمام؟! إذا كان قد وقع ذلك منه فمن المحال أن يكون خير أمته وأفضل قرونها قصروا في هذا الباب، زائدين فيه أو ناقصين عنه].
وهذا برهان من البراهين التي تدل على أن القرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضوان الله عليهم قد وضحوا باب الأسماء والصفات توضيحاً كافياً شافياً بيناً، بحيث لا يمكن أن يكون مع هذا البيان إشكال على الناس.
وهذا الدليل يسمى قياس الأولى.
وشيخ الإسلام رحمه الله نقل هنا من الأحاديث والآثار ما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم بين لأصحابه أموراً صغيرة ودقيقة وعادية، في صلاح الإنسان وفلاحه ونجاحه وسعادته في دنياه وأخراه، فمن المحال أن يبين لهم هذه الأمور الصغيرة ويهمل تلك الأمور الكبيرة.
وهذا دليل عقلي يقيني، لا شك فيه؛ فإنه يستحيل أن يوضح لهم الصغيرة ويهمل الكبيرة إلا إذا قدح أحد في رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه غير مستقيم العقل مثلاً، ففي هذه الحالة نبطل قوله بأن رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم صحيحة، ونثبت صحة رسالته بدلائل النبوة المعروفة المفصلة.
وهذا الدليل الذي ذكره شيخ الإسلام رحمه الله دليل قياس الأولى، وهو: أنه بين الأمور الصغيرة فبيانه للأمور الكبيرة من باب أولى.