انتهينا في الدرس الماضي من موضوع بطلان مذهب أهل التفويض، وقلنا: إن مذهب أهل التفويض مبني على أن ظواهر النصوص الشرعية من الكتاب والسنة ليست مقصودة، وإنها ليست على ظاهرها، وإن ظاهرها غير مراد، ومبني أيضاً على أنها ليست لها معانٍ مفهومة يمكن أن يفهم الإنسان لها معانٍ توضحها وتبين حقيقتها.
وأيضاً تحدثنا عن إبطال المقالة المشهورة وهي المقالة التي جاء بها أهل الكلام من المتأخرين، وهي قولهم: إن طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم، وقرأنا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وبينا الرد على هذه الفرقة وعلى هذه الطائفة، وفي أثناء رد شيخ الإسلام رحمه الله تعالى على هذه الطائفة نبه إلى أن هؤلاء الخلف هم أهل الكلام الذي ذمه السلف الصالح رضوان الله عليهم، والذي فيه المقالات الباطلة المشهورة، والذي رجع كثير من أصحابه عن أقوالهم وعن عقائدهم، ومن هنا كانت هذه نقطة مهمة تحتاج إلى وقفة وتحتاج إلى تأمل، ولهذا اعتبرناها وحدة موضوعية مستقلة، وقد سبق أن قسمنا الكتاب إلى مجموعة من الوحدات الموضوعية، فمنها ضلال المتكلمين وحيرتهم وشكهم واضطرابهم.
وأول ما ينبغي أن نبدأ به هو تعريف علم الكلام فنقول: علم الكلام: هو علم يبحث في أصول الدين بالطرق العقلية والجدلية، ويزعم أصحابه أنهم يصلون إلى اليقين من خلاله.
والذين عَرَّفوا علم الكلام هم أصحابه؛ ولهذا مدحوه، فتجد أن الإيجي يعرف علم الكلام: بأنه علمٌ يبحث في أصول الدين بالدلائل اليقينية، ويعرفه غيره بقريب من هذا التعريف، كـ التفتازاني مثلاً في شرح العقائد النسفية، وأيضاً في شرح المقاصد، وغيرهم يعرفونه ويمدحونه ويثنون عليه.
وهم في تعريفهم له على منهجين، منهج يصور علم الكلام بأنه علم العقائد وعلم أصول الدين وعلم التوحيد، ومنهج آخر يصور علم الكلام بأنه علمٌ للدفاع عن قضايا العقيدة بالمنهج العقلي.