[علاقة القول بخلق القرآن باليهود]
فأما اليهود فذكر ابن تيمية رحمه الله أن الجهم أخذ هذه المقالة عن الجعد، وأن الجعد أخذ هذه المقالة عن بيان بن سمعان، وأن بياناً أخذها عن طالوت بن أخت لبيد بن الأعصم، وأن طالوت أخذ مقالته عن لبيد بن الأعصم الذي هو من بني زريق، وهو الذي سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذا الإسناد ذكره بإسناد لا بأس به ابن عساكر الدمشقي في تاريخ دمشق، وابن عساكر رحمه الله له كتاب كبير في تاريخ دمشق يصل إلى ستين مجلداً تقريباً أو سبعين مجلداً، نقل بإسناده أن الجهم أخذ عن الجعد، وأن الجعد أخذ عن بيان وهكذا.
وبيان بن سمعان الذي أخذ عنه الجعد هو رجل من غلاة الشيعة كان يقول إن علياً هو الإله، وإن الله عز وجل حل في علي، فلما مات علي حل في ابنه محمد بن الحنفية، وادعى النبوة واستدل على نبوته بقوله تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١٣٨]، هكذا يفسر النصوص كما يهوى وكما يشتهي، وهو زنديق من الزنادقة المعروفين.
وطالوت هذا رجل يهودي ذكر المحقق أنه لم يجد له ترجمة، وقد أشار ابن عساكر الدمشقي رحمه الله في تاريخ دمشق إلى أن طالوت هذا صنف كتاباً في خلق التوراة، وأن التوراة ليست من كلام الله بل هي مخلوقة.
وهذا يؤكد أن بياناً أخذ خلق القرآن من طالوت الذي قال بخلق التوراة عند اليهود، فحول مقالة خلق التوراة إلى خلق القرآن، ومن هنا أدخلت في الديانة الإسلامية من بيان الذي نقلها عن اليهوديين: طالوت ولبيد، اللذان كانا يقولان بخلق التوراة، يقول ابن عساكر: ولـ طالوت هذا كتاب في خلق التوراة.
لكن هنا إشكال عرضه بعض الباحثين، وهو أن المعروف عن اليهود هو التشبيه، وقد سبق أن تحدثنا عن هذا الموضوع وقلنا إن اليهود مشبهة، وإن أوائل الشيعة كانوا مشبهة؛ لأنهم قريبو عهد بالسبئية الذين هم من اليهود كما هو معلوم، وأول من أشاع التشبيه في الأمة الإسلامية هو هشام بن الحكم الرافضي الذي هو على عقيدة الشيعة، وكان يرى أن الله عز وجل في صورة إنسان.
فإذا كانت عقيدة اليهود التشبيه فكيف أخذ هؤلاء نفي الصفات من اليهود؟ والجواب على هذا: أن اليهود ليسوا طائفة واحدة في هذا الموضوع، فالذين بدلوا التوراة وحرفوها في بداية الأمر كانوا على عقيدة المشبهة، لكن هناك طوائف من اليهود لا سيما الذين كانوا يسكنون في حوض البحر الأبيض المتوسط، كانوا معطلة تأثروا بالفلسفة اليونانية.
ولهذا يذكر ابن تيمية رحمه الله في مواضع من كتبه أن المتأخرين من اليهود ممن كان في زمن الإسلام مثل: الميمون بن موسى -وذكر نماذج من اليهود الذين كانوا في الأندلس- كانوا على عقيدة المعتزلة والجهمية في نفي الصفات.
وهذا يدل على أنهم أخذوا العقيدة الموجودة عند نفاة الصفات من اليهود.
إذاً اليهود يمكن تقسيمهم إلى قسمين: قسم كانوا مشبهة وهم الأغلب الذين حرفوا التوراة، وقسم تأثروا بالفلسفة اليونانية وهم المعطلة، ومنهم هؤلاء.