[عرض تاريخي للمؤامرة على الإسلام وعقائده]
وعند النظر إلى تاريخ هذه القضية بشكل مبسط نجد أن الأمة المسلمة كانت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على العقيدة الصحيحة، ولم يكن هناك إشكال عندهم في هذا، فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان الصحابة ينشرون العلم والجهاد في سبيل الله في كل مكان، ففتحوا كثيراً من البلدان، فلما فُتحت الكثير من البلدان وحطمت دولة كسرى أغاظ ذلك كثيراً من أهل هذه الأديان التي سحقها الإسلام، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، ولم يكن كل الذين دخلوا في دين الله أفواجاً في زمن الصحابة دخلوه عن قناعة، بل بعضهم كان عن قناعة، وهم الأكثر، والبعض الآخر لم يدخلوا فيه عن قناعة، وإنما تستروا باسم الإسلام خوفاً على أنفسهم وبقوا على عقائدهم السابقة، وكان أول مؤامرة كشفت وجود هؤلاء الأفاعي الذين تستروا بالإسلام مع اعتقادهم عقائدهم السابقة هي مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فمقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان مؤشراً واضحاً على وجود أناس مندسين في صفوف المسلمين يتظاهرون بالإسلام وهم في الحقيقة ليسوا عليه، فإن الذي قتل عمر بن الخطاب أبو لؤلؤة المجوسي، وساعده الهرمزان وكان مجوسياً أيضاً، وجفينة النصراني.
فقد كان هناك تآمر مجموع من اليهود والنصارى والمجوس، فقتل عمر على يد أبي لؤلؤة المجوسي، ثم قتل أبو لؤلؤة نفسه في ذلك المكان.
والمؤامرة الثانية التي تظهر حجم هذه المؤامرة الخفية المندسة في صفوف المسلمين كانت عندما ظهر عبد الله بن سبأ اليهودي، وتحرك تحركاً واسعاً في الجزيرة وبلاد الشام والعراق ومصر، وكون الطائفة السبئية، ثم حصلت الفتنة التي قدر الله عز وجل لها أن تحصل اختباراً للناس، ثم ظهرت العقائد الجديدة التي سمع بها المسلمون لأول مرة، فظهر الخوارج فكفروا المسلمين، وظهرت الشيعة وقالوا لـ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنت أنت، يعني: أنت الله، وقد كان هذا الشيء لا يعرفه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الذي تربى مع الصحابة الأولين على الخضوع لله عز وجل، فلما ظهرت هذه الأشياء شعر المجتمع الإسلامي أن هناك جهات مندسة تريد إفساد المسلمين.
ولضخامة المجتمع الإسلامي، وقرب عهده بالنبوة، وتماسكه، وقوة العقيدة الصحيحة، ولأن حكامه ووزراءه كانوا من المجاهدين كانت هذه الفتن مثل الأشياء البسيطة القذرة على نهر كبير حلو ومفيد، له ثمرته وسقياه للناس.
وقد استمر وجود هذه المجموعة من اليهود والنصارى والمجوس حتى كثروا في زمن الدولة العباسية، حتى إن المهدي اتخذ ديواناً سماه: ديوان الزنادقة، وتتبع فيه مجموعة من الأدباء والفلاسفة وبعض المشتغلين بالمهن الحرفية الذين كانوا زنادقة، وقد كان بعضهم له مناصب عسكرية، مثل أبي مسلم الخرساني وغيره، فتتبعهم وقتل عدداً كبيراً جداً منهم.
وهذا يدل على أن هناك مجموعات كانت تخطط تخطيطاً ماكراً لهذه الأمة، ومن هذه المجموعات: الجهم بن صفوان والجعد بن درهم وبشر المريسي وأبو شجاع الثلجي وأحمد بن أبي دؤاد، الذين أقنعوا المأمون بفكرة الترجمة، وترجمت هذه الكتب، وعقدت مجالس المناظرة.
وكان عددهم يتوسع في كل جيل أكثر وأكثر، حتى وصلوا إلى درجة إقناع خليفة المسلمين بهذه الأفكار، وكان المأمون رجلاً مثقفاً يحب المعرفة، فاقتنع بعقائد المعتزلة، وامتحن الأمة عليها في فتنة مشهورة وهي فتنة القول بخلق القرآن.
والحقيقة أن فتنة القول بخلق القرآن ليست مقالة عقدية فحسب امتحن الناس عليها، وقد كان السلف الصالح يدركون حجم المؤامرة، ويعرفون أن هذه الفتنة موجودة في المجتمع الإسلامي، وأن المجتمع كبير، فمع وجود هؤلاء الأعداد الكبيرة من المفسدين إلا أن سرايا الجهاد مستمرة في كل مكان، والناس يدخلون في دين الله أفواجاً، وطلاب الحديث في كل مكان، حتى أن قرطبة في ذلك الزمان كان فيها أربعة آلاف عالم، وهي مدينة واحدة، فكيف ببغداد؟! فقد كان فيها ألوف مؤلفة من العلماء، فضلاً عن طلاب العلم، فضلاً عن الصالحين والزهاد، فضلاً عن المجاهدين، فضلاً عن الآمرين بالمعروف والناهيين عن المنكر، فقد كان شيئاً يفوق الخيال.
فقد كانت الأمة كلها متحركة في الخير، ومع هذا كانت توجد فيها هذه الطائفة، وقد كان السلف رضوان الله عليهم وعلى رأسهم الإمام أحمد رحمه الله يدرك حجم هذه المؤامرة، وأن المسألة ليست مسألة مقالة اسمها مقالة القول بخلق القرآن يمتحن الناس عليها، وإنما هي صراع بين منهجين عقديين، منهج السلف المتمثل في طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن سار على نهجه في فهم النصوص، وفي معرفتهم لله ولربوبيته وصفاته وأسمائه وألوهيته، وفي منهج جديد منحرف يراد