[معنى دليل تعدد القدماء عند المعتزلة والرد عليه]
فأما دليل تعدد القدماء فإن المعتزلة يرون أن أخص وصف للإله الذي يجب أن يعبد هو كونه قديماً وليس بمحدث، وأن أي شيء يشاركه في القدم، فإنه يعتبر إلهاً آخر، وهذا شرك بالله رب العالمين.
ومن هنا اعتقدوا أن إخلاص التوحيد لله عز وجل هو إفراد الله عز وجل بالقدم، ولا يوصف غيره بالقدم أبداً، فإذا وصف غيره بالقدم، فإنه يعتبر شركاً بالله سبحانه وتعالى.
فجاءوا إلى الصفات الشرعية التي أثبتها الله عز وجل لنفسه في القرآن، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم في السنة، مثل صفة اليد {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤] فقالوا: هذه الصفة وغيرها من الصفات مثل: العلم والحياة والإرادة والسمع والبصر، سواء منها الصفات التي لا تنفك عن الذات وهي الصفات الموسومة بالصفات الذاتية، أو الصفات التي يسميها الأشاعرة صفات المعاني وهي الصفات العقلية؛ قالوا: هذه الصفات لا تخلو أن تكون قديمة أو حادثة.
فإذا كانت حادثة فهذه لا يصح وصف الله بها؛ لأن الله عز وجل لا يوصف بالحادث.
وإذا كانت قديمة فإن وصف هذه الصفة بأنها قديمة مشاركة لوصف الإله بكونه قديماً، فإذا اعتبرنا العلم قديماً، والسمع قديماً، والحياة قديمة والإرادة قديمة، فنحن أثبتنا خمسة آلهة: العلم، والسمع، والإرادة، والكلام، والحياة، وكل صفة يعتبرونها إلهاً مستقلاً بناءً على هذا.
وبعض الأحيان يستخدم بعض الناس مصطلحاً لمعنى، وأنت تفهمه على معنىً آخر، فينبغي للإنسان أن يكون دقيقاً في معرفته للمصطلحات، فليس كل أحد يستخدم مصطلحاً يكون هو نفس المفهوم الذي عند الآخر، لكن المصطلحات الشرعية واحدة عند أهل السنة، وأما مصطلحات أهل البدع والضلالة، فإنا لا ننفيها مطلقاً، ولا نثبتها مطلقاً؛ لأن مصطلحاتهم في بعض الأحيان تكون ممزوجة بالحق والباطل، وقد تحدثت عن موضوع المصطلحات في أكثر من لقاء، وسنتحدث عنه في أثناء الرد التفصيلي لهذه الشبه.
وبناءً على هذا فقد عرفوا التوحيد بأنه الجزء الذي لا يتجزأ، وهو الذي لا يقبل التجزئة، ولا يقبل التعدد، ولا يقبل التبعيض، ولا يقبل الانفصال، وقالوا: إن وصف الإله بالصفات الواردة في الكتاب والسنة يستلزم وجود آلهة مع الله عز وجل، فاستدلوا بهذه الشبهة -التي هي تعدد القدماء- على نفي الصفات، وقالوا: إن هذه الصفات جميعاً لا يصح أن تنسب إلى الله عز وجل على أنها صفات وجودية، لكن هل معنى هذا أنهم يصفون الله بضدها؟ لا يلزم أنهم يصفون الله بضدها.
وهم في صفة العلم يقولون: هو عليم وعلمه هو ذاته، وقدير وقدرته هي ذاته، وكريم وكرمه هو ذاته، وسميع وسمعه هو ذاته، وبصير وبصره هو ذاته، وهكذا فيما يتعلق بالصفات العقلية الثابتة التي لابد أن يتصف بها الإله، ويستحيل أن يتصف بضدها، فيستحيل أن يتصف الإله بالموت، ويستحيل أن يتصف الإله بالجهل، فيثبتون هذه الصفة من حيث الاسم، لكن ينفونها في الحقيقة؛ فيقولون: هو عليم وعلمه هو ذاته، إذا قلنا لهم: هل له علم؟ قالوا: علمه ذاته، فهل له سمع؟ قالوا: سمعه ذاته، إذا قلنا لهم: هل هناك فرق بين العلم والسمع؟ قالوا: لا، هو ذات واحدة فقط، فالحياة عندهم هي العلم بالضبط مائة بالمائة، ليس هناك فرق، ولاشك أن هؤلاء ضالون، وذلك أن الله عز وجل سمى نفسه بالأسماء الحسنى، ووصف نفسه بالصفات العليا وهو أعلم بنفسه سبحانه وتعالى منا، فلو كانت تستلزم تعدد الآلهة، لما سمى نفسه عز وجل بهذه الأسماء، ولا وصف نفسه بهذه الأوصاف.
ولهذا عندما يقول الله عز وجل عن نفسه: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤].
وعندما يقول الله سبحانه وتعالى: {الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ} [الفاتحة:١] تتضمن صفة الرحمة.
وعندما يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى عليم كريم حيي، وهكذا.
فالله عز وجل أعلم بنفسه، ثم نبيه أعلم بربه منا، فهذه مقدمة واضحة في الرد على هؤلاء المبتدعة.