ثم بعد ذلك ظهر أبو الحسن الأشعري، وكان معتزلياً لمدة أربعين سنة ثم ترك الاعتزال، فلما ترك الاعتزال وجد أمامه طريقين: الطريق الأول: هو طريق الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله وعامة السلف.
بعد تركه لمنهج المعتزلة إلى طريقة الكلابية والكلابية كانوا يردون على المعتزلة بقوة مع التزامهم بعض أصولهم، فالتزم أبو الحسن طريقة الكلابية وألف كتاب (اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع)، ويقصد بـ (أهل الزيغ والبدع) المعتزلة، وألف رسالة أخرى سماها (رسالة إلى أهل الثغر) ثم ألف بعد ذلك كتاباً سماه (الإبانة).
وفي الكتابين الأولين كان على طريقة الكلابية، فإنه نفى الصفات الاختيارية، ونفى بعض ما يتعلق بالصفات العقلية من التجدد، فمثلاً في صفة العلم نفى أن يكون هناك تجدد للعلم مع تجدد المعلومات، وهكذا البصر والإرادة، ونحوها، فهو يقول في الإرادة مثلاً: إن إرادة الله إرادة واحدة كانت فكانت هذه المرادات.
وحين مناقشة أبي الحسن الأشعري في هذه المسألة، وهو أن الأمور التي حصلت بعد مائة سنة مثلاً ولم تكن موجودة قبل ذلك ألم يردها الله عز وجل في ذلك الوقت؟ قال: لا، أرادها الله إرادة واحدة في بداية الأمر فكانت.
ولهذا وقع في أخطاء كبيرة.
والمعتقد الصحيح هو أن الله عز وجل يريد كل أمر من الأفعال في وقته الذي يريده فيفعله، فإن ما شاءه الله عز وجل كان، وما لم يشأ لم يكن في أي وقت وفي أي مكان، ولكن دليل الحدوث أثر عليهم تأثيراً كبيراً، بحيث إنهم كانوا لا يثبتون أي أمر من الأمور التي تكون بعد أن لم تكن موجودة سابقاً.
وعندما ظهر أبو الحسن الأشعري وتلاميذه من بعده رأوا أن هناك كثيراً من الصفات لابد لها من تأويل فأولوها، فمثلاً: أولوا النزول بأنه نزول الأمر، وأولوا الاستواء بأنه الاستيلاء، وأولوا المجيء بأنه مجيء الأمر، وكذلك الإتيان، وهكذا فلما اشتغلوا بالتأويل ظهرت طائفة منهم قالت: إن الناس على قسمين: القسم الأول: السلف الصالح رضوان الله عليهم، ويعنون بهم الصحابة والتابعين، وهؤلاء كانوا على مذهب التسليم المطلق، الذي يكون بعد نفي ظواهر آيات الصفات وأحاديثها.
والقسم الثاني: طائفة المتأخرين الذين اشتغلوا بالتأويل.