[ذم التعصب للمشايخ وغيرهم]
السؤال
يتعصب بعض طلاب العلم لعالم أو داعية تعصباً أعمى، وإن كان هذا العالم له أخطاء واضحة لاشك فيها، ومع ذلك لا يقتنع هؤلاء الطلاب، فبماذا تفسر هذا التعصب؟ وما هو موقف الآخرين من هؤلاء الطلبة ومن هذا العالم أو الداعية؟
الجواب
التعصب خلة قبيحة ومذمومة في الإنسان، فالذي ينبغي للإنسان المسلم ألا يتعصب إلا للدليل الصحيح، وللحجة البينة الواضحة، ومصادر الاستدلال عندنا معدودة: هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، فهذه هي مصادر الاستدلال، وغيرها يعود إليها.
بل هذه الأربع جميعاً تعود إلى القرآن، هذه هي الحجة فقط.
فإذا استدل عليك بدليل من القرآن أو من السنة فهذا دليل صحيح، لكن يبقى مسألة طريقة الاستدلال، لابد أن تكون طريقة الاستدلال صحيحة؛ لأن هناك طرائق في الاستدلال باطلة، مثل طريقة العصرانيين في أخذهم المتشابه وردهم للمحكم.
فأولاً: إذا استدل الإنسان بدليل من الكتاب أو السنة، وكانت طريقته في الاستدلال طريقة صحيحة، فإننا نقبل دليله ولو خالفه من خالفه، حتى ولو كان المخالف عالماً.
ثانياً: لا ينبغي أبداً للإنسان المسلم أن يعلق نفسه بعالم أو داعية، لا تعلق نفسك إلا بالدليل الصحيح، وبالمنهج الرباني الصحيح.
والدعاة والعلماء بشر يتعريهم ما يعتري البشر من الخطأ والزلل، وبعض الناس قد يتعرض لفتنة فيتغير منهجه وطريقته، وبعض الناس قد تأتيه فتنة المال فتحرف منهجه وطريقته، وبعض الناس قد تأتيه فتنة الجاه، وبعض الناس فتنة الشهوة، وبعض الناس قد يكون على منهج ثم لسبب أو لآخر ينتقل انتقالاً كلياً عن هذا المنهج إلى منهج آخر، بل قد يعتنق ديناً آخر.
ولهذا فالحي لا تؤمن عليه الفتنة، فأنت إذا جعلت دينك معلقاً بشخص من الأشخاص فإنه إذا ضل ستضل، وإذا انحرف ستنحرف، وإذا ابتعد عن الصراط المستقيم ستبتعد أنت.
والصحيح أن الله عز وجل خاطبنا نحن جميعاً علماء ودعاة وأفراداً، وجعل مناط الخطاب بالنسبة لنا العقل، ولهذا يعتبر العقل بعد البلوغ هو مناط التكليف؛ لأن المجنون غير مكلف، وحينئذ لابد أن تدرس هذه المسألة إن كنت من أهل العلم، وإن كنت لست من أهل العلم فلا تقل في هذه المسألة بإيجاب ولا بسلب، وانظر إلى أهل العلم وخذ من حيث أخذوا، وهذا لا يعني أن الإنسان لا يكون عنده احترام لأهل العلم ولا يقدرهم ولا يحبهم، فإن المحبة شيء والتعصب شيء آخر، والإجلال والتقدير شيء، والتعظيم إلى درجة التعبد شيء آخر.
فلا شك أن أهل العلم لهم منزلة عظيمة، ولهم محبة في قلوبنا، وقد تحدث أهل العلم عن آداب تعامل التلميذ مع شيخه حديثاً كبيراً، مثل: الخطيب البغدادي رحمه الله، ومثل: ابن جماعة في كتاب (تذكرة السامع والمتكلم) وغيرهما، تكلموا كلاماً طويلاً في التأدب مع أهل العلم؛ لأنه في بعض الأحيان عندما لا يكون هناك تأدب قد يأتي جاهل من الجهال فيستدل بحديث على غير وجهه، ثم يصبح زعيماً من زعماء الانحراف والعياذ بالله، بحجة الاستقلال الفكري.
ولهذا فإن كلمة (الاستقلال الفكري، وحرية الفكر، وعدم التعصب) كلمات صحيحة في ذاتها، لكن قد يراد بها في بعض الأحيان أمر باطل، وحينئذ ينبغي للإنسان أن يكون متزناً، وألا يكون مختلطاً.
فإذا أخذنا حرية التفكير، فنقول: لابد أن يكون للإنسان حرية في التفكير، وأن يطلب العلم، وأن يطلب الدليل، وأن يعرف الحجة، وأن يأخذ من حيث أخذ أهل العلم، وأن يدرب نفسه على الفقه والتفقه، لكن لا يعني هذا أن يستبد برأيه وأن يعظم نفسه، فإن بعض الناس يأخذ هذه الطريقة فيفهم من طرف العلم شيئاً ثم يتعصب هو لنفسه، فنحن نذم التعصب للعلماء، وبعض الناس قد يتعصب لذاته هو أو لشخصه، وهذه خصلة ذميمة أيضاً، وحينئذ لابد للإنسان أن يتوازن، فإن هذه مزلات، والشيطان حريص على إغواء الإنسان.
إذاً: ينبغي للإنسان أن يكون منضبطاً، والانضباط يكون كالآتي: أولاً: أن يحترم أهل العلم ويقدرهم، وأن يعرف لفتواهم مكانتها، وألا يستعجل في انتقاد قول عالم من العلماء إلا ببينة وبوضوح، وألا يكون الانتقاد إلا بعد بحث وتحر.
ثانياً: إذا خالف عالماً من العلماء فإنه يتأدب معه، ونتأدب مع أهل البدع لكن لا يعني التأدب معهم الاحترام المطلق الذي يكون لأهل السنة.
بهذه الطريقة يكون الإنسان متوازناً ومنضبطاً بإذن الله تعالى.