يقول الذهبي رحمه الله: الجهم بن صفوان أبو محرز السمرقندي الضال المبتدع رأس الجهمية، هلك في زمان صغار التابعين، وما علمت أنه روى شيئاً لكنه زرع شراً عظيماً.
إذاً: هو ليس من أهل الرواية، وليس من المشتغلين بالعلم الشرعي، وليس من طلاب العلم الذين يبحثون عنه ثم حصل عنده زيغ، فالقضية أن هذا الرجل كان عامياً من العوام، دخل مع مجموعة من الفلاسفة والضالين وتأثر بهم، فصارت هذه المقالة التي ظهرت عنده.
وكان قتل جهم بن صفوان سنة ثمان وعشرين -يعني: بعد المائة- وسببه أنه كان يقضي في عسكر الحارث بن شريح الخارج على أمراء خراسان، فقبض عليه نصر بن سيار، فقال له: استبقني -يعني: اجعلني حياً- فقال: لو ملأت هذا الملأ كواكب وأنزلت إلي عيسى بن مريم ما نجوت، والله لو كنت في بطني لشققت بطني حتى أقتلك، ولا تقوم علينا مع اليمانية أكثر مما قمت! وأمر بقتله، وكان جهم من موالي بني راسب، وكتب للحارث.
والصحيح: أن قتل الجهم كان بسبب عقيدته الضالة، وليس بسبب خروجه على بني أمية، وإن كان خروجه على بني أمية من ضمن الأسباب التي كانت سبباً في قتله؛ لأن بني أمية وإن كان عندهم انحرافات في الأموال مثلاً، وعندهم انحرافات في تولية المناصب ونحو ذلك، إلا أنهم كانوا يتتبعون هؤلاء الزنادقة ويقتلونهم، فقتل غيلان الدمشقي القدري المشهور، وقتل الجعد بن درهم، والجهم بن صفوان وغير هؤلاء على يد الأمويين؛ بسبب عقائدهم الضالة والمنحرفة.
إذاً: هؤلاء ليسوا من طلاب العلم كما قلت، وذكر الإمام أحمد رحمه الله في كتابه الرد على الجهمية قصة للجهم بن صفوان، وهو أنه التقى بطائفة من السمنية من فلاسفة الهند وجلس معهم، وهؤلاء كانوا ينكرون العقليات، ولا يثبتون إلا الحسيات، فسألوه عن ربه: هل ذاقه؟ هل شمه؟ هل رآه؟ هل لمسه؟ فنفى ذلك فقالوا: إذاً: أنت ليس لك إله، فعكف في بيته أربعين يوماً لا يصلي، ثم خرج إلى الناس وقال: ربي هو هذا الهواء الموجود في كل مكان ليس له اسم ولا صفة.