[السمات الظاهرة من خلال اشتغال المتكلمين بعلم الكلام]
هناك سمات وأمور ظهرت من خلال اشتغال هؤلاء بعلم الكلام، منها: التناقض، فتجد أنهم يتناقضون، أي: يقول القول ثم ينقضه في وقت آخر، وأضرب لكم مثالاً على هذا، فإنك تجد أن الأشاعرة ينفون الجهة ويقولون: الله عز وجل ليس في جهة، وإنما هو في كل مكان، ومع هذا يثبتون الرؤية ويقولون: الله عز وجل يُرى يوم القيامة، وهذا تناقض صريح.
وأيضاً يقولون بأن العقل لا يعرف حسن الأشياء، ولا يعرف قبحها، وإنما يكون ذلك بالشرع، ومع هذا يجعلون العقل هو الأصل في العقائد، ويرون أن الشرع تابع له وليس أصلاً فيه.
وأيضاً: الغلو في تعظيم العقل، ولهذا فإن الرازي ألَّف كتاباً سماه أساس التقديس، ذكر فيه قانوناً في رد النصوص الشرعية، وقال: إن الأصل في تلقي العقائد العقل، والشرع تابع له، فإذا افترضنا تعارض العقل والنقل، فإننا نقدم العقل على النقل ونرد النقل، أو نؤوله على سبيل التبرع كما يقول.
ومن ذلك أيضاً عدم تعظيم النصوص الشرعية، ولهذا يروى عن عمرو بن عبيد وغيره من المعتزلة أنه قال عندما رأى قول الله عز وجل:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}[الشورى:١١] قال: وددت أني حككتها من المصحف، يعني: قوله: ((وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) لأن قوله: ((وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) أكثر تأثيراً فيهم من قوله: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[إبراهيم:٤] وهم يريدون: ((وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) لأن: ((وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)) فيه إثبات مباشر للصفات الذاتية، ولهذا تمنى أن يحكها، عليه من الله ما يستحق! ومن ذلك كثرة الشك والحيرة والاضطراب، وسننقل في ذلك نصوصاً ذكرها ابن تيمية رحمه الله في هذا الكتاب.
ومن جهلهم بالسنة فإن كثيراً منهم لا يميز بين الآية والحديث، حتى إنك ربما تعترض عليه بآية فيقول: لا نسلم بصحة الحديث، يظن أنه حديث، فهم لا يفرقون لأنهم لا يشتغلون بذلك، ولهذا لو قلبت بعض كتبهم لا تجد الاستدلال فيها بالنصوص إلا قليلاً جداً، وأكثر هذه الكتب مبنية على قولهم: إن قالوا كذا فنقول كذا، ولنا كذا، فإن قالوا قلنا، وهكذا، هذه طريقتهم في مناقشة قضايا الاعتقاد.
نكتفي بهذا التعريف العام لأهل الكلام وللمتكلمين، وبالمناسبة فإنَّ عامة كتب شيخ الإسلام رحمه الله في الرد على هؤلاء، ومنها هذا الكتاب، والصراع بين أهل السنة وأهل الكلام صراع طويل جداً، سواء في موضوع إثبات وجود الله، أو في موضوع أول واجب على المكلف، أو في موضوع التوحيد، أو في موضوع الأسماء والصفات، أو في موضوع الحكمة والتعليل، أو في موضوع الإيمان، فالخلاف بيننا وبينهم متعدد الجهات ومتعدد النواحي.