للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حديث الأوعال يدل على العلو]

وقوله في حديث الأوعال: (والعرش فوق ذلك، والله فوق عرشه، وهو يعلم ما أنتم عليه) رواه أبو داود.

يقول ابن تيمية رحمه الله معلقاً على هذا الحديث: [وهذا الحديث مع أنه قد رواه أهل السنن كـ أبي داود وابن ماجة والترمذي وغيرهم، فهو مروي من طريقين مشهورين، والقدح في أحدهما لا يقدح في الآخر، وقد رواه إمام الأئمة ابن خزيمة في كتاب التوحيد الذي اشترط فيه أنه لا يحتج فيه إلا بما نقله العدل عن العدل موصولاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم].

حديث الأوعال حديث مشهور، اختلف أهل العلم قديماً وحديثاً في صحته، ونقله المحقق هنا، وهو من رواية العباس بن عبد المطلب، قال: (كنت في البطحاء في عصابة فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمرت سحابة، فنظر إليها فقال: ما تسمون هذه؟ قالوا: السحاب، قال: والمزن؟ قالوا: والمزن، قال: والعنان؟ قالوا: والعنان، قال: هل تدرون ما بعد ما بين السماء والأرض؟ قالوا: لا ندري، قال: إن بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة، ثم السماء فوقها ثلاثة، حتى عد سبع سموات، ثم فوق السابعة بحر بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم على ظهورهم العرش بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء، ثم الله تبارك وتعالى فوق ذلك).

هذا الحديث حديث مشهور، وقد نقل المحقق من خرجه من أهل العلم، وبين أن مدار إسناده على الوليد بن أبي ثور، وقد اختلف العلماء في توثيقه، وكذلك الانقطاع الحاصل بين عبد الله بن عميرة والأحنف بن قيس، ويبدو لي والله تعالى أعلم أن هذا الحديث لا يصح من حيث السند، وإن كان ابن خزيمة رحمه الله لا يورد في كتابه التوحيد حديثاً ويسكت عليه إلا لأنه حديث صحيح، وذلك أن ابن خزيمة رحمه الله كما أنه اشترط الصحة في كتابه الصحيح المشهور الذي طبع جزء منه اشترط الصحة أيضاً في كتابه التوحيد، وأكثر الناس لا يعرفون عنوان هذا الكتاب إلا كتاب التوحيد، مع أن تكملة العنوان يدل فيه على اشتراط الصحة فيما ينقله من الآثار والأخبار، لا سيما ما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقول ابن تيمية رحمه الله الذي اشترط فيه أنه لا يحتج فيه إلا بما نقله العدل، هو جزء من عنوان الكتاب.

لكن يبدو لي والله تعالى أعلم أن هذا الحديث ضعيف وغير صحيح من جهة إسناده ومن جهة متنه، أما من جهة إسناده فكما سبق أن مداره على الوليد بن أبي ثور، وأكثر أهل العلم على تضعيفه.

وأما من جهة متنه فهو مخالفته للأحاديث الصحيحة في موضعين: أما الموضع الأول: فهو في بعد المسافة بين السماء والأرض، فإنه ذكر هنا أنها واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة، وورد في الأحاديث الصحيحة أن المسافة بين الأرض والسماء الدنيا خمسمائة سنة.

والموضع الثاني: هو في قوله: (ثم فوق ذلك ثمانية أوعال)، والصحيح: أن حملة العرش قبل يوم القيامة أربعة، ويوم القيامة ثمانية، كما قال الله عز وجل: {وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:١٧]، فهذه الآية تدل على أن حملة العرش يوم القيامة ثمانية، وهذا صريح في ذلك، وأما في الدنيا فقد وردت أحاديث صحاح، صححها الشيخ الألباني وغيره في مختصر العلو وغيره، أن عدد حملة العرش أربعة وليسوا ثمانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>