ولما ظهر عبد الله بن سعيد بن كلاب ظهر في مناقشته للمعتزلة بمنهج غريب عن منهج السلف الصالح، وهذا المنهج الغريب هو: الاستدلال على مسائل الاعتقاد بالعقل المجرد، وأقر للمعتزلة بكثير من المقدمات العقلية التي قالوا بها، ومن أعظمها وأشهرها: الاستدلال على وجود الله عز وجل بدليل حدوث العالم، وأن العالم مركب من جواهر وأعراض، وأن الدليل على أن هذا العالم محدث هو الحدوث، الذي هو حصول الشيء بعد أن لم يكن، فالتزم أن الشيء إذا حصل بعد أن لم يكن أن هذا يسمى حدوثاً، وإذا كان هذا حدوثاً فهو دليل على أنه مُحدث والإله قديم، ولا يمكن أن يكون محدثاً، فالتزم بناء على ذلك أن الأفعال الاختيارية التي يفعلها الله عز وجل متى شاء من هذا القبيل، وأن الله عز وجل قديم بذاته وصفاته، وليس هناك حدوث في صفات الله عز وجل.
فلما رأى أن النصوص الشرعية تتضمن إثبات أفعال لله عز وجل، وأنها حدثت بعد أن لم تكن موجودة من قبل قال: إذاً هذا يلزمنا أن نبطل دليل حدوث العالم الذي هو دليل وجود الله عز وجل، ولا يمكن أن نبطله؛ لأن في إبطاله إبطالاً لأصل وجود الله عز وجل، وبناءً على هذا قال: لابد من تأويل النصوص الواردة في إثبات أفعال الله عز وجل، فعندما يقرأ مثلاً:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥]، يكون معناها: أنه لم يكن مستوياً ثم استوى؛ لأن (ثم) تقتضي الترتيب، فمعنى هذا أن الاستواء حدث بعد أن لم يكن موجوداً، وهذا دليل الحدوث، والله عز وجل قديم، فأول الاستواء وقال: إنه بمعنى استولى، فالتزم بتأويلات المعتزلة في موضوع الصفات الاختيارية.