طريقتي وأفارق ديدني من خدمة أهل العلم ومداخلة الفقهاء والانخراط في سلكهم - ما رضيت. فعجب اللمتوني من علو همته ورغب في صحبته على ما أراده.
وتولى أحكام مراكش والصلاة بمسجدها مدة ثم أحكام بلنسية فكان بها قاضياً. ولما صار الأمر إلى أبي يعقوب: عبد المؤمن ألزمه خدمة الخزانة العالية وكانت عندهم من الخطط الجليلة التي لا يعين لها إلا علية أهل العلم وأكابرهم.
وكانت مواهب عبد المؤمن له جزيلة وأعطياته مترادفة وصلاته متوالية وربما وصله في المرة الواحدة بخمسمائة دينار فلا يبيت عنده منها شيء ولا يقتني منها درهماً - بل يصرفه في المحاويج: من معارفه وأهله والضعفاء والمساكين من غيرهم ما اكتسب شيئاً قط من عرض الدنيا ولا وضع مدرة على أخرى مقتنعاً باليسير راضياً بالدون من العيش مع الهمة العلية والنفس الأبية.
على هذا قطع عمره إلى أن فارق الدنيا ولم تكن همته مصروفة إلا إلى العلم وأسبابه فاقتنى من الكتب جملة وافرة سوى ما نسخ بخطه الرائق. وامتحن فيها مرات بضروب من الجوائح كالغرق والنهب بغرناطة في الفتنة الكائنة بها وكذلك نهبت كتبه بمراكش حين دخلها عبد المؤمن وكان معه عند توجهه إلى مراكش خمسة أحمال كتب وجمع منها بمراكش