للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

كذلك يُقال كما سبق: التدليس قدح نسبي في الراوي، مظنة فيمن استقرت ثقته ولم يكثر منه شبيهةٌ بمظنة خطئه، فمع احتمال وقوع ذلك منه، إلا أن روايته مقبولة مالم يثبت خطؤه فيها.

وعلى هذا المذهب في التحقيق عمل الشيخين، وعليه دلت عبارات كبار أئمة الحديث:

قال يعقوب بن شيبة: سألت يحيى بن معين عن التدليس، فكرهه وعابه، قلت له: أفيكون المدلس حجة فيما روى؟ أو حتى يقول: (حدثنا) و (أخبرنا)؟ فقال: "لا يكون حجة فيما دلس" (١).

قلت: فابن معين هنا لا يشترط بيان السماع لقبول حديث المدلس، وإنما هو لديه مقبول، إلا فيما ثبت أنه دلس فيه.

وقال يعقوب بن شيبة: سألت علي بن المديني عن الرجل يدلس، أيكون حجة فيما لم يقل: (حدثنا)؟ قال: "إن كان الغالب عليه التدليس فلا، حتى يقول: حدثنا" (٢).

قلت: فجعل غلبة التدليس على الراوي هي السبب في رد مالم يبين فيه السماع دون من لم يغلب عليه وكان يُذكر به نادرًا.

وكأن من هذا صنيع أحمد بن حنبل في توقفه في قبول روايةٍ لهشيم بن بشير، وهو معروف بالتدليس مشهور به، فقد قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: "حديث ابن شبرمة: قال رجل للشعبي: نذرت أن أطلق امرأتي، لم يقل فيه هشيم: أخبرنا، فلا أدري سمعه أم لا" (٣).


(١) أخرجه ابن عدي في "الكامل" (١/ ١٠٧)، والخطيب في "الكفاية" (صـ ٥١٦) وإسناده صحيح.
(٢) أخرجه الخطيب في "الكفاية" (صـ ٥١٦ - ٥١٧) وإسناده صحيح.
(٣) "مسائل الإمام أحمد" رواية أبي داود (صـ ٣٢٢).

<<  <   >  >>