كلهم ثقات أثبات، فإن ساغ أن يقال في حديث رواه عمرو عن ابن عباس. لعله لم يسمعه منه، فإنما يسوغ أن يفرض أن عمرًا سمعه من ثقة حجة عن ابن عباس.
وفي ترجمة عمرو من "تهذيب التهذيب": قال الترمذي: قال البخاري: لم يسمع عمرو بن دينار من ابن عباس حديثه عن عمر في البكاء على الميت.
قال ابن حجر: قلت: ومقتضى ذلك أن يكون مدلسًا.
أقول: لم أظفر برواية عمرو ذاك الحديث عن ابن عباس، والقصة -وفيها الحديث- ثابتة في "صحيح مسلم" و"مسند الحميدي" من رواية عمرو عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس، فإن كان بعضهم روى الحديث عن عمرو عن ابن عباس فلا ندري من الراوي؟ فإن كان ثقة فالحال في هذا الحديث كما تقدم، حدث به عمرو مرارًا عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس حتى عرف أن الناس قد عرفوا أنه لم يسمعه من ابن عباس، ثم قال مرة على سبيل الفتيا أو المذاكرة:"قال ابن عباس" وليس هذا بالتدليس، على أنه لا مانع من أن يسمع من ابن أبي مليكة عن ابن عباس القصة وفيها الحديث ويسمع من ابن عباس نفسه الحديث. ولا مانع من أن يسمع الرجل الحديث من رجل عن شيخ ثم يسمعه من ذلك الشيخ نفسه ثم يرويه تارة هكذا وتارة هكذا. وهذا النوع يسمى "المزيد في متصل الأسانيد".
وقد عد بعضهم منه حديث عمرو في لحوم الخيل. وقد ذكر مسلم في مقدمة صحيحه أمثلة مما قد يقع من غير المدلس من إرسال ما لم يسمعه، وذكر منها حديث عمرو بن دينار في لحوم الخيل وقد مر. وهذا حكم من مسلم بأن عمرًا غير مدلس وأن ما قد يقع عن مثل ذلك الإرسال ليس بتدليس.
واحتج الشيخان بكثير من أحاديث عمرو التى لم يصرح فيها بالسماع، واحتج مسلم بحديث في المخابرة رواه ابن عيينة عن عمرو عن جابر، مع أنه قد ثبت عن ابن عيينة أن عمرًا لم يصرح فيه بالسماع من جابر.
وهذا الترمذي حاكي الحكايتين عن البخاري صحح في حديث لحوم الخيل