وذكر العلائي كلام ابن عبد البر من "واختلفوا في حديث الرجل" إلى آخر كلامه، ثم قال: والقول الأول ضعيف، لأن التدليس أصله التغطية والتلبيس، وإنما يجي ذلك فيما أطلقه الراوي عن شيخه بلفظ موهم للاتصال، وهو لم يسمعه منه، فأما إطلاقه الرِّواية عمن يعلم أنه لم يلقه أو لم يدركه أصلًا فلا تدليس في هذا يوهم الاتصال، وذلك ظاهر، وعليه جمهور العُلماء والله أعلم.
والتدليس نوعان، أحدهما ما أشرنا إليه آنفًا بأن يروي الراوي عن شيخه حديثًا لم يسمعه منه بلفظ عن أو قال أو ذكر ونحو ذلك مما يوهم الاتصال ولا يصرح بحدثنا ولا أخبرنا ولا سمعت.
وهذا القسم حكمه في الحقيقة حكم المرسل، من جهة أنه لا يعرف الراوي الذى أسقط بينه وبين من دلس عنه، فكل مدلس مرسل، ولا ينعكس إلا على القول الضعيف الذى حكاه ابن عبد البر فيما تقدم (١).
وقال العراقي: قوله: "هو أن يروي عمن لقيه مالم يسمعه منه موهمًا أنه سمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه "إلى آخر كلامه، هكذا حد المُصَنف القسم الأول من قسمي التدليس الذى ذكرهما، وقد حده غير واحد من الحفاظ بما هو أخص من هذا، وهو أن يروي عمن قد سمع منه مالم يسمعه منه، من غير أن يذكر أنه سمعه منه، هكذا حده الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في جزء له في معرفة من يُترك حديثه أو يُقبل، وكذا حده الحافظ أبو الحسن بن محمد بن عبد الملك بن القطان في كتاب "بيان الوهم والإيهام"، قال ابن القطان: والفرق بينه وبين الإرسال هو أن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه انتهى.
ويقابل هذا القول في تضييق حد التدليس القول الآخر الذى حكاه ابن عبد البر في "التمهيد" أن التدليس أن يحدث الرجل بما لم يسمعه. قال ابن عبد البر: وعلى هذا فما سلم من التدليس أحد، لا مالك ولا غيره.