للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

يسمع منه، ولما كان في هذا قد سمع منه، جاءت روايته عنه بما لم يسمعه منه، كأنها إيهام سماعه ذلك الشيء، فلذلك سُمي تدليسًا". انتهى

وهو صريح في التفرقة بين التدليس والإرسال، وأن التدليس مختص بالرواية عمن له عنه سماع، بخلاف الإرسال -والله أعلم-. وابن القطان في ذلك مُتابع لأبي بكر البزار، وقد حكى شيخنا كلامهما، ثم قال: "إن الذى ذكره المُصَنِّف في حد التدليس هو المشهور عن أهل الحديث، وأنه إنما حكى كلام البزار وابن القطان لئلا يُغتر به".

قلت: ولا اغترار هنا، بل كلامهما هو الصَّواب على ما يظهر لي في التفرقة بين التدليس والمرسل الخفي، وإن كانا مشتركين في الحكم.

هذا ما يقتضيه النظر، وأما كون المشهور عن أهل الحديث خلاف ما قالاه ففيه نظر، فكلام الخطيب في باب التدليس من "الكفاية" يؤيد ما قاله ابن القطان.

قال الخطيب: التدليس متضمن للإرسال لا محالة، لإمساك المدلس عن ذكر الواسطة، وإنما يفارق حال المرسل بإيهامه السماع ممن لم يسمع منه فقط، وهو الموهن لأمره، فوجب كون التدليس متضمنًا للإرسال، والإرسال لا يتضمن التدليس، لأنه لا يقتضي إيهام السماع ممن لم يسمع منه، ولهذا لم يذم العُلماء من أرسل، وذموا من دلس -والله أعلم-.

قلت: والذى يظهر من تصرفات الحذاق منهم أن التدليس مختص باللقى، فقد أطبقوا على أن رواية المخضرمين مثل: قيس بن أبي حازم وأبي عثمان النهدي وغيرهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قبيل المرسل، لا من قبيل المدلس. وقد قال الخطيب في باب المرسل من كتابه "الكفاية": "لا خلاف بين أهل العلم أن إرسال الحديث الذى ليس بمدلس وهو رواية الراوي عن من لم يعاصره أو لم يلقه ثم مثل للأول بسعيد بن المسيب وغيره عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وللثاني بسفيان الثوري وغيره عن الزهري، ثم قال: والحكم في الجميع عندنا واحد". انتهى.

فقد بيّن الخطيب في ذلك أن من روى عمن لم يثبت لقيه ولو عاصره أن ذلك

<<  <   >  >>